كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

فاسْتُغْنِىَ عن ذِكْرِه، كإطْلَاقِ الثَّمَنِ في بَلَدٍ فيه نَقْدٌ مَعْرُوفٌ [به، والتَّفَاوُتُ في السُّكْنَى يَسِيرٌ، فلم يَحْتَجْ إلى ضَبْطِه] (٣)، وما ذَكَرَه لا يَصِحُّ؛ فإنَّ الضَّرَرَ لا يكادُ يَخْتَلِفُ بكَثْرةِ مَنْ يَسْكُنُ (٤) وقِلَّتِهِم، ولا يُمْكِنُ ضَبْطُ ذلك، فاجْتُزِىءَ فيه بالعُرْفِ، كما في دُخُولِ الحَمَّامِ وشِبْهِه. ولو اشْتَرَطَ ما ذَكَرَه، لَوَجَبَ أن يَذْكُرَ عَدَدَ السُّكَّانِ، وأن لا يَبِيتَ عندَه ضَيْفٌ، ولا زائِرٌ، ولا غيرُ مَن ذَكَرَه، ولَكان يَنْبَغِى أن يَعْلَمَ صِفَةَ السّاكِنِ، كما يَعْلَمُ ذلك فيما إذا اكْتَرَى لِلرُّكُوبِ.

فصل: وإذا اكْتَرَى ظَهْرًا لِيَرْكَبَه، فله أن يُرْكِبَه مِثْلَه، ومَن هو أخَفُّ منه، ولا يُرْكِبُه مَن هو أثْقَل منه؛ لأنَّ العَقْدَ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُقَدَّرَةٍ بذلك الرَّاكِبِ، فله أن يَسْتَوْفِىَ ذلك بِنَفْسِه ونائِبِه، وله أن يَسْتَوْفِىَ أقَلَّ منه؛ لأنَّه يَسْتَوْفِى بعضَ ما يَسْتَحِقُّه، وليس له اسْتِيفَاءُ أكْثَرَ منه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ أكْثَرَ ممَّا عَقَدَ عليه. ولا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِى في الطُّولِ والقِصَرِ، ولا المَعْرِفَةِ بالرُّكُوبِ. وقال القاضِى: يُشْتَرَطُ أن يكونَ مِثْلَه في هذه الأَوْصافِ كلِّها؛ لأنَّ قِلَّةَ المَعْرِفةِ بالرُّكُوبِ تُثْقِلُ على المَرْكُوبِ، وتَضُرُّ به. قال الشاعر:
لم يَرْكَبُوا الخَيْلَ إلَّا بَعْدَ ما كَبِرُوا ... فَهُمْ ثِقَالٌ على أَعْجازِهَا عُنُفُ (٥)
ولنَا، أنَّ التَّفَاوُتَ في هذه الأُمُورِ بعدَ التَّسَاوِى في الثِّقَلِ يَسِيرٌ، فعُفِىَ عنه، ولهذا لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُه في الإِجَارةِ، ولو اعْتُبِرَ ذلك لاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُه في الإِجارَةِ، كالثِّقَلِ والخِفَّةِ.

فصل: فإن شَرَطَ أن لا يَسْتَوْفِىَ المَنْفَعةَ بمِثْلِه، ولا بمن (٦) هو دُونَه، فقِيَاسُ
---------------
(٣) سقط من: ب.
(٤) في الأصل: "سكن".
(٥) في م: "فهم ثقيل". والبيت في اللسان، والتاج (ع ن ف).
(٦) في ب، م: "من".

الصفحة 53