كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

هذا (١٢) فإنَّه لا تَجوزُ إجَارَتُه إلَّا لمن (١٣) يَقُومُ مَقَامَه، أو دُونَه في الضَّرَرِ؛ لما تَقَدَّمَ. فأما إجَارَتُها (١٤) قبلَ قَبْضِها، فلا تجوزُ من غيرِ المُؤْجِرِ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والمَشْهُورُ من قَوْلَىِ الشافِعِيِّ؛ لأنَّ المَنافِعَ مَمْلُوكةٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضةٍ, فاعْتُبِرَ في جَوَازِ العَقْدِ عليها القَبْضُ، كالأعْيانِ. والآخَرُ، يَجوزُ، وهو قولُ بعضِ الشافِعِيّةِ؛ لأنَّ قَبْضَ العَيْنِ لا يَنْتَقِلُ به الضَّمَانُ إليه، فلم يَقِفْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عليه. فأمَّا إجَارَتُها قبلَ القَبْضِ من المُؤْجِرِ، فإذا قُلْنا: لا يجوزُ من غير المُؤْجِرِ. كان فيها ههُنا وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يجوزُ؛ لأنَّه عَقَدَ عليها قبلَ قَبْضِها. والثاني، يجوزُ؛ لأنَّ القَبْضَ لا يَتَعَذَّرُ عليه، بخِلَافِ الأجْنَبِيِّ. وأصْلُهُما بَيْعُ الطَّعامِ قبلَ قَبْضِه لا يَصِحُّ من غير بائِعِه، رِوَايةً واحِدَةً، وهل يَصِحُّ من بائِعِه؟ على رِوَايَتَيْنِ. فأمَّا إجَارَتُها بعد قَبْضِها من المُؤْجِرِ، فجائِزةٌ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ؛ لأنَّ ذلك يُؤَدِّى إلى تَنَاقُضِ الأحْكامِ، لأنَّ التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ على [الكِرَاءِ، فإذا] (١٥) اكْتَرَاها صارَ مُسْتَحِقًّا له، فيَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لما يُسْتَحَقُّ عليه، وهذا تَناقُضٌ. ولَنا، أنَّ كلَّ عَقْدٍ جازَ مع غير العاقِدِ، جازَ مع العاقِدِ، كالبَيْعِ، وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ التَّسْلِيمَ قد حَصَلَ، وهذا المُسْتَحقُّ له تَسْلِيمٌ آخَر. ثم يَبْطُلُ بالبَيْعِ، فإنَّه يسْتَحقُّ عليه تَسْلِيمُ العَيْنِ، فإذا اشْتَرَاها اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَها. فإن قيل: التَّسْلِيمُ ههُنا مُسْتَحقٌ في جَمِيعِ المُدّةِ، بخِلَافِ البَيْعِ. قُلْنا: المُسْتَحقُّ تَسْلِيمُ العَيْنِ، وقد حَصَلَ، وليس عليه (١٦) تَسْلِيمٌ آخَرُ، غيرَ أنَّ العَيْنَ مِن ضَمَانِ المُؤْجِرِ، فإذا تَعَذَّرَتِ المَنافِعُ بِتَلَفِ الدّارِ أو غَصْبِها (١٧)، رَجَعَ عليه؛ لأنَّها تَعَذَّرَتْ بِسَبَبٍ كان في ضَمانِه.
---------------
(١٢) سقط من: م.
(١٣) في ب: "أن".
(١٤) في الأصل: "إجارته بها".
(١٥) في الأصل: "المكترى فأما إذا".
(١٦) في ب: "له".
(١٧) في ب، م: "وغصبها".

الصفحة 55