كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

بالأرْضِ، في زَرْعٍ ضَرَرُه كَضَرَرِ الزَّرْعِ المَشْرُوطِ أو دُونَه، مثل أن يَزْرَعَها شَعِيرًا يَأْخُذُه (٤٩) قَصِيلًا، صَحَّ العَقْدُ، لأنَّ الانْتِفاعَ بها في بعضِ ما اقْتَضَاه العَقْدُ مُمْكِنٌ. وإن لم يكُنْ كذلك، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه اكْتَرَى للزَّرْعِ ما لَا يُنْتَفَعُ بالزَّرْعِ (٥٠) فيه، أشْبَهَ إجَارَةَ السَّبْخَةِ له. فإن قُلْنا: يَصِحُّ. فإن انْقَضَتِ المُدّةُ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما، حُكْمُه حُكْمُ زَرْعِ المُسْتَأْجِرِ لما لا يَكْمُلُ في مُدَّتِه؛ لأنَّه هَهُنا مُفَرِّطٌ. واحْتَمَلَ أن يَلْزَمَ المُكْرِىَ تَرْكُهُ بالأَجْرِ؛ لأنَّ التَّفْرِيطَ منه حيث أكْرَاه مُدَّةً لِزَرْعٍ لا يَكْمُلُ فيها. وإن شَرَطَ تَبْقِيَتَه حتى يَكْمُلَ، فالعَقْدُ فاسِدٌ؛ لأنَّه جَمَعَ بين مُتَضَادَّيْنِ، فإنَّ تَقْدِيرَ المُدَّةِ يَقْتَضِى النَّقْلَ فيها، وشَرْطَ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُه، ولأنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولةٌ، فإن زَرَعَ لم يُطَالِبْ بِنَقْلِه، كالتى تَقَدَّمَتْ.

فصل: إذا أجَرَه (٥١) لِلْغِرَاسِ سَنَةً، صَحَّ؛ لأنَّه يُمْكِنُه تَسْلِيمُ مَنْفَعَتِها المُبَاحَةِ المَقْصُودَةِ، فأشْبَهَتْ سائِرَ المَنافِعِ، وسواءٌ شَرَطَ قَلْعَ الغِرَاسِ عندَ انْقِضَاءِ المُدَّةِ، أو أطْلَقَ. وله أن يَغْرِسَ قبلَ انْقِضَاءِ المُدَّةِ، فإذا انْقَضَتْ، لم يكُنْ له أن يَغْرِسَ؛ لِزَوَالِ عَقْدِه. فإذا انْقَضَتِ السَّنَةُ، وكان قد شَرَطَ القَلْعَ عند انْقِضَائِها، لَزِمَهُ ذلك وَفَاءً بمُوجبِ شَرْطِه، وليس على صاحِبِ الأرْضِ غَرَامَةُ نَقْصِه، ولا على المُكْتَرِى تَسْوِيَةُ الحَفْرِ وإصْلَاحُ الأرْضِ؛ لأنَّهما دَخَلَا على هذا، لِرِضَاهُما بالقَلْعِ، واشْتِرَاطِهِما عليه. وإن اتَّفَقَا على إبْقائِه بأجْرٍ أو غيرِه، جازَ [إذا شَرَطَا مُدّةً مَعْلُومةً. وكذلك لو اكْتَرَى الأرْضَ سَنَةً بعد سَنَةٍ، كلما انْقَضَى عَقْدٌ جَدَّدَ آخَرَ، جَازَ] (٥٢). وإن أطْلَقَ العَقْدَ، فلِلْمُكْتَرِى القَلْعُ؛ لأنَّ الغَرْسَ مِلْكُه، فله أخْذُه، كَطَعامِه من (٥٣) الدَّارِ
---------------
(٤٩) في الأصل: "فأخذه".
(٥٠) سقط من: م.
(٥١) في ب: "استأجره".
(٥٢) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(٥٣) في الأصل: "في".

الصفحة 66