كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

المُطَلَّقةِ وغيرِها، بل في الآيةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على طَلَاقِها (٥)؛ لأنَّ الزَّوْجَةَ تَجِبُ نَفَقَتُها وكُسْوَتُها بالزَّوْجِيَّةِ وإن لم تُرْضِعْ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (٦). والوارِثُ ليس بِزَوْجٍ، ولأنَّ المَنْفَعةَ في الحَضَانةِ والرَّضَاعِ غيرُ مَعْلُومةٍ، فجازَ أن يكونَ عِوَضُها كذلك. ورُوِىَ عنه رِوَايةٌ ثالِثةٌ: لا يجوزُ ذلك بحالٍ، لا في الظِّئْرِ ولا في غيرِها. وبه قال الشافِعِيُّ وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ ذلك يَخْتَلِفُ اخْتِلافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا، فيكونُ مَجْهُولًا، والأجْرُ من شَرْطِه أن يكونَ مَعْلُومًا. ولَنا: ما رَوَى ابنُ مَاجَه، عن عُتْبَةَ بن النُّدَّرِ، قال: كُنَّا عندَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَرَأَ {طس} حتى بَلَغَ قِصّةَ مُوسَى، قال: "إنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِىَ سِنِينَ (٧) أوْ عَشْرًا، على عِفَّةِ فَرْجِه، وطَعَامِ بَطْنِهِ" (٨). وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْعٌ لنا، ما لم يَثْبُتْ نَسْخُه. وعن أبي هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: كنتُ أجِيرًا لِابْنَةِ غزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي، وعُقْبَةِ رِجلِي (٩)، أحْطِبُ لهم إذا نَزَلُوا، وأَحْدُوا بهم إذا رَكِبُوا (١٠). ولأنَّ مَنْ ذَكَرْنا من الصَّحَابةِ وغيرِهم (١١) فَعَلُوه، فلم يَظْهَرْ له نَكِيرٌ، فكان إجْماعًا، ولأنَّه قد ثَبَتَ في الظِّئْرِ بالآيةِ، فيَثْبُتُ في غيرِها بالقِيَاسِ عليها، ولأنَّه عِوَضُ مَنْفَعةٍ، فقَامَ العُرْفُ فيه مَقَامَ التَّسْمِيَةِ، كنَفَقَةِ الزَّوْجةِ، ولأنَّ [لِلْكُسْوةِ عُرْفًا] (١٢)، وهى كُسْوةُ الزَّوْجاتِ، ولِلإِطْعامِ عُرْفٌ، وهو الإِطْعَامُ في الكَفّاراتِ، فجازَ إطْلَاقُه، كَنَقْدِ البَلَدِ. ونَخُصُّ أبا حَنِيفةَ بِأنَّ ما كان عِوَضًا في الرَّضَاعِ، جازَ في الخِدْمَةِ، كالأثْمانِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّهما إن تَشَاحَّا في مِقْدَارِ الطَّعامِ والكُسْوةِ، رَجَعَ في
---------------
(٥) في ب: "فراقها".
(٦) سورة البقرة ٢٣٣.
(٧) في م: "حجج".
(٨) تقدم تخريجه في صفحة ٥.
(٩) أي للنوبة من الركوب.
(١٠) أخرجه بن ماجه، في: باب إجارة الأجير على طعام بطنه، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه ٢/ ٨١٧.
(١١) سقط من: الأصل، ب.
(١٢) في الأصل: "الكسوة".

الصفحة 69