كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 8)

أعْلَى طُرُقِ العِلْمِ، والصِّفَةُ. ويُشْتَرَطُ في الصِّفَةِ مَعْرِفةُ شَيْئَيْنِ: القَدْرُ والجِنْسُ؛ لأنَّ الجِنْسَ يَخْتَلِفُ تَعَبُ البَهِيمَةِ بِاخْتِلافِه، مع التَّسَاوِى في القَدْرِ. فإنَّ القُطْنَ يَضُرُّ بها من وَجْهٍ، وهو أنَّه يَنْتَفِخُ على البَهِيمةِ، فيَدْخُلُ فيه الرِّيحُ فيَثْقُلُ، ومثلُه من الحَدِيدِ يُؤْذِى من [جِهَةٍ أخرى] (٩)، وهو أنَّه يَجْتَمِعُ على مَوْضِعٍ من البَهِيمةِ، فربما عَقَرَها، فلا بُدَّ من بَيَانِه. وأَمَّا الظُّرُوفُ، فإن دَخَلَتْ في الوَزْنِ، لم يحْتَجْ إلى ذِكْرِها، وإن لم تُوزَنْ، فإن كانت ظُرُوفًا مَعْرُوفةً، لا تَخْتَلِفُ، كغَرَائِر الصُّوفِ والشَّعْرِ ونحوها، جازَ العَقْدُ عليها (١٠) من غير تَعْيِينٍ؛ لأنَّها قَلَّما تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا كثيرًا فتَسْمِيَتُها تَكْفِى، وإن كانت تَخْتَلِفُ، فلا بُدَّ من مَعْرِفَتِها بالتَّعْيِينِ أو الصِّفَةِ. وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ، أنَّه إذا قال: أَكْرَيْتُكَها لِتَحْمِلَ علها ثَلَاثَمائةِ رَطْلٍ ممَّا شِئْتَ. جازَ، ومَلكَ ذلك، لكنْ (١١) لا يُحَمِّلُه حِمْلًا يَضُرُّ بالحَيَوانِ، مثل ما لو أرادَ حَمْلَ حَدِيدٍ أو زِئْبَقٍ، يَنْبَغِى أن يُفَرِّقَهُ على ظَهْرِ الحَيَوانِ، فلا يَجْتَمِعُ في مَوْضِعٍ واحدٍ من ظَهْرِه، ولا يَجْعَلُه في وِعَاءٍ يَتَمَوَّجُ فيه، فيَكُدُّ البَهِيمَةَ ويُتْعِبُها. وإن اكْتَرَى ظَهْرًا لِلحَمْلِ مَوْصُوفًا بجِنْسٍ، فأرادَ حَمْلَه على غيرِ ذلك الجِنْسِ، وكان الطالِبُ لذلك المُسْتَأْجِرُ، لم يُقْبَلْ منه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ المُطَالَبَةَ بما لم يَعْقِدْ عليه، وإن طَلَبَه المُؤْجِرُ، وكان يَفُوتُ به غَرَضٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، مثل أن يكونَ غَرَضُه الاسْتِعْجالَ في السَّيْرِ، أَو أن لا يَنْقَطِعَ عن القافِلةِ، فيَتَعَيَّنُ الخَيْلُ أو البِغَالُ، أو يكونَ غَرَضُه سُكُونَ الحُمُولةِ (١٢) لكَوْن الحَمولةِ ممَّا يَضُرُّها الهَزُّ، أو قُوَّتُها وصَبْرُها لِطُولِ الطَّرِيقِ وثِقْلِ الحُمُولةِ فيُعَيِّنُ الإِبِلَ، لم يَجُز العُدُولُ عنه؛ لأنَّه يُفَوِّتُ غَرَضَ المُسْتَأْجِرِ، فلم يَجُزْ ذلك، كما في المَرْكُوبِ. وإن لم يُفَوِّتْ غَرَضًا، جاز، كما يجوزُ لمن اكْتَرَى على حَمْلِ شيءٍ حَمْلُ مثلِه، أو أَقَلَّ ضَرَرًا منه.
---------------
(٩) في ب: "وجه آخر".
(١٠) سقط من: الأصل.
(١١) في ب: "لكنه".
(١٢) في م: "الحمل".

الصفحة 99