كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 13)

عبدِ البَرِّ: أمُّ حَرامِ بنت مِلْحانَ أُخْتُ أُمِّ سُلَيمٍ خَالةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرَّضاعَةِ، أَرْضَعَتْه أخْتٌ لهما ثالثةٌ. ولم نَرَ هذا عن أحدٍ سِوَاه، وأَظُنُّه إنَّما قال هذا؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينامُ في بيْتِها، وينْظُرُ إلى شَعْرِها، ولعلَّ هذا كان قبلَ نُزولِ الحِجابِ. ورَوَى أبو داودَ (٤)، بإسْنادِه عن أُمِّ حَرامٍ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "الْمَائِدُ (٥) فِي الْبَحْرِ، الَّذِى يُصِيبُه القَىْءُ، لَهُ أجْرُ شهيدٍ، والغَرِقُ (٦) لَهُ أجْرُ شَهِيدَيْنِ". وروَى ابنُ ماجَه (٧)، قال (٨): سمِعْتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَىِ الْبَرِّ، والْمَائِدُ فِي الْبحْرِ، كالمُتَشَحِّطِ (٩) فِي دَمِهِ في الْبَرِّ، وَما بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ، كَقَاطِعِ الدُّنْيَا فِي طاعَةِ اللهِ، وَإنَّ اللهَ وكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بقَبْضِ الأَرْواحِ، إلَّا شَهِيدَ البَحْرِ، فَإِنَّه يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرواحِهِمْ، ويَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إلَّا الدَّيْنَ، ويَغْفِرُ لِشَهيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ والدَّيْنَ" (١٠). ولأنَّ البحرَ أعظمُ خطَرًا ومَشَقَّةً، فإنَّه بين خَطَرِ (١١) العَدُوِّ وخَطَرِ الغَرَقِ، ولا يتمَكَّنُ من الْفِرَارِ إلَّا مع أصحابِه، فكان أفْضلَ من غيرِه.

فصل: وقِتالُ أهلِ الكتابِ أفضلُ مِن قتالِ غيرِهم. وكان ابنُ المُبارَكِ يأْتِى من مَرْوَ (١٢) لغَزْوِ الرُّوم. فقيل له في ذلك. فقال: إنَّ هؤلاء يُقاتِلون على دينٍ، وقد رُوِىَ عن النّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال لأُمِّ خَلَّادٍ: "إنَّ ابْنَكِ (١٣) لَهُ أجْرُ شَهِيدَيْنِ". قالتْ: ولِمَ ذاكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "لِأنَّه قَتَلَهُ أهْلُ الْكِتَابِ". روَاه أبو داودَ (١٤).
---------------
(٤) في: باب فضل الغزو في البحر، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ٧.
(٥) المائد: الذي يأخذه دوار البحر.
(٦) في أ، م: "والغريق".
(٧) في: باب فضل غزو البحر، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٢٨.
(٨) أي أبو أمامة.
(٩) تشحط بالدم: تضرَّج به واضطرب فيه.
(١٠) في أ: "والديون".
(١١) سقط من: م.
(١٢) مرو: هي مرو الشاهجان، أشهر مدن خراسان، بينها وبين نيسابور سبعون فرسخا. معجم البلدان ٤/ ٥٠٧.
(١٣) في أ: "أباك".
(١٤) في: باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ٥.

الصفحة 13