كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 13)

١٦٢٢ - مسألة؛ قال: (ويُغزَى (١) مَعَ كُلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ)
يعْنِى مع كلِّ إمامٍ. قال أبو عبد اللهِ وسُئِلَ، عن الرجُلِ يقولُ: أنا لا أغْزُو ويأْخذُه ولَدُ الْعباس، إنَّما يُوَفَّرُ الفىءُ عليهم! فقال: سبحان اللَّه، هؤلاء قَوْمُ سوءٍ، هؤلاء القَعَدَةُ، مُثَبِّطُونَ (٢) جُهّالٌ، فيُقال: أرأَيْتُم لو أنَّ الناسَ كلَّهُم قعَدُوا كما قعَدْتُم، مَنْ كان يغْزُو؟ أليس كان قد ذهَب الإِسلامُ؟ ما كانت تصْنعُ الرُّومُ؟ وقد روَى أبو داودَ (٣)، بإسْناده عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْجِهادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أمِيرٍ؛ بَرًّا كَانَ، أوْ فَاجِرًا". وبإسنادِه (٤) عن أَنَسٍ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثَلَاثٌ مِن أصْلِ الْإِيمَانِ؛ الْكَفُّ عمَّنْ قَالَ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ. لَا نُكَفِّرُه بِذَنْبٍ، ولَا نُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، والجِهادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِى اللهُ إلَى أنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِى الدَّجَّالَ، والْإِيمانُ بالْأَقْدارِ" (٥). ولأنَّ تَرْكَ الجهادِ مع الفاجرِ يُفْضِي إلى قَطْع الجهاد، وظُهورِ الكُفَّارِ على المسلمين واسْتِئْصالِهم، وظُهورِ كلمةِ الكُفْر (٦)، وفيه فسادٌ عظيمٌ، قال اللَّه تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (٧).

فصل: قال أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى أنْ يخْرُجَ مع الإِمامِ أو القائِدِ إذا عُرِفَ بالهزيمَةِ، وتَضْييعِ المسلمين، وإنَّما يَغْزُو مع مَن له شَفَقَةٌ وحَيْطَةٌ على المسلمين، فإنَّ كان القائدُ يُعْرَفُ بشُرْبِ الخَمْرِ، والغُلولِ، يُغْزَى معه، إنَّما ذلك في نَفْسِه، ويُرْوَى عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ" (٨).
---------------
(١) في أ: "ويغزو".
(٢) في الأصل، أ: "مثبطين".
(٣) في: باب في الغزو مع أئمة الجور، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ١٧، ١٨.
(٤) في: باب في الغزو مع أئمة الجور، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ١٧.
(٥) في الأصل، ازيادة: "رواه أبو داود". وتقدم في قوله: "وبإسناده".
(٦) في أ: "الكفار".
(٧) سورة البقرة ٢٥١.
(٨) أخرجه البخاري، في: باب إن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر، من كتاب الجهاد، وفي: باب غزوة خيبر، من =

الصفحة 14