كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 13)
شيَّعَ يزيدَ بن أبي سُفْيان حين بعثَه إلى الشام، ويزيدُ راكبٌ وأبو بكرٍ رَضِىَ اللَّه عنه يمْشِى، فقال له يزيدُ: يا خليفةَ رسولِ اللَّه، إمَّا أنْ تَرْكَبَ، وإمَّا أنْ أنزِلَ أنا فأمْشِىَ معك. قال: لا أركبُ ولا تنزِلُ، إنَّنِى أحْتَسِبُ خُطاىَ هذه في سبيلِ اللَّه (١٢). وشيَّعَ أبو عبد اللَّه أبا الحارثِ الصَّائغَ ونَعْلاه في يَدَيْه، وذهبَ إلى فِعْلِ أبي بكرٍ، أراد أن تُغَبَّرَ قَدَماه في سبيلِ اللَّه. وقال: عن عَوْفٍ بن مالك الخَثْعَمِىّ، عن النَّبِىّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ في سَبِيلِ اللهِ، حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ" (١٣). قال أحمد: ليس للخَثْعَمِىّ صُحْبةٌ، وهو قديمٌ.
١٦٢٤ - مسألة؛ قال: (وَتَمَامُ الرِّباطِ أرْبَعُونَ يَوْمًا)
معنى الرِّباط: الإِقامةُ بالثَّغْر، مُقَوِّيا للمسلمين على الكُفّارِ. والثَّغْرُ: كلُّ مكانٍ يُخِيفُ أهلُه العدُوَّ ويُخيفُهم. وأَصْلُ الرِّباطِ من رِباطِ الخيلِ؛ لأنَّ هؤلاء يربُطُونَ خُيولَهم، وهؤلاء يرْبُطون خُيولَهم، كلٌّ يُعِدُّ لصاحبِه، فسُمِّى المُقامُ بالثُّغُورِ (١) رِباطًا وإن لم يكُنْ فيبما خيْلٌ. وفضلُه عظيمٌ، وأجرُه كبيرٌ. قال أحمد: ليس يَعْدِلُ الجهادَ عندى والرّباطَ شيءٌ، والرِّباطُ دفْعٌ عن المسلمين؛ وعن حَريمِهم، وقُوَّةٌ لأهْلِ الثَّغْرِ ولأهلِ الغَزْوِ، فالرباط عندى (٢) أصلُ الجهادِ وفَرْعُه، والجهاد أفضلُ منه للعَناءِ والتَّعَبِ والمشَقَّةِ. وقد رُوِىَ في فضْل الرِّباطِ أخبارٌ؛ منها ما رَوَى سَلْمانُ، قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رِبَاطُ لَيْلَةٍ في سَبيل اللهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَام شَهْرٍ وقِيَامِهِ، قإنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كان (٢) يَعْمَلُ، وأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفُتَّانَ". روَاه مُسلمٌ (٣). وعن فَضالَةَ بن عُبَيْدٍ، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ، إلَّا
---------------
(١٢) أخرجه الإِمام مالك، في: باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ ٢/ ٤٤٧، ٤٤٨. وسعيد بن منصور، في: باب ما يؤمر به الجيوش إذا خرجوا، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ١٤٨، ١٤٩. وعبد الرزاق، في: باب عقر الشجر بأرض العدو، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ١٩٩، ٢٠٠، وابن أبي شيبة، في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد ١٢/ ٣٨٣، ٣٨٤. والبيهقي، في: باب من ترك قتل من لا قتال فيه. . . من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٨٩ - ٩١.
(١٣) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٢٢٦. عن مالك بن عبد اللَّه الخثعمى.
(١) في أ، م: "بالثغر".
(٢) سقط من: م.
(٣) في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه عز وجل، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٥٢٠. كما أخرجه النسائي، في: باب فضل الرباط, من كتاب الجهاد. المجتبى ٦/ ٣٣. وابن ماجه، في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٢٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٤٤٠، ٤٤١.
الصفحة 18
739