كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 13)

هُرَيْرَةَ، وابنِ عمرَ. وقد ذكرنا خبرَ أبي هُرَيْرَةَ. وروَى أبو الشَّيْخِ (١٢)، في "كتاب الثَّواب"، بإِسْنادِه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "تَمَامُ الرِّباطِ أرْبَعُونَ يَوْمًا" (١٣). وروى عن (١٤) نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، أنَّه قَدِمَ على عمرَ بنِ الخطَّابِ من الرِّباطِ، فقال له: كم رابَطْتَ؟ قال: ثلاثين يومًا. قال: عَزَمْتُ عليك إلَّا رَجَعْتَ حتّى تُتِمَّها أربعين يومًا (١٥). وإنْ رابَطَ أكثرَ، فله أجْرُه، كما قال أبو هُرَيْرَةَ: ومَن زادَ، زادَه اللهُ.

فصل: وأفضلُ الرِّباطِ المُقامُ بأشَدِّ الثُّغورِ خَوْفًا؛ لأَنَّهُم أَحْوَجُ، ومُقامُه به أَنْفَعُ. قال أحمد: أفضلُ الرِّباطِ أشدُّهم كَلَبًا. وقيل لأبي عبد اللَّه: فأينَ أَحَبُّ إليك أن ينزِلَ الرجلُ بأهْلِه؟ قال: كلُّ مدينَةٍ مَعْقِلٌ للمُسْلِمين، مثلَ دِمَشْقَ. وقال: أرضُ الشامِ أرضُ المَحْشَرِ، ودِمَشْقُ موضِعٌ يجتْمِعُ إليه الناسُ إذا غلَبتِ الروم. قيل لأبي عبد اللَّه: فهذه الأحاديث التي جاءت: "إنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لِى بِالشَّامِ" (١٦). ونحو هذا؟ قال: ما أكْثَرَ ما جاءَ فيه. وقيل له: إنَّ هذا في الثُّغورِ. فأَنْكَرَه، وقال: أرضُ القُدْسِ أينَ هي؟ "وَلَا يَزَالُ أهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ" هم أهلُ الشام. ففسَّرَ أحمد الغَرْبَ في هذا الحديث بالشَّامِ، وهو حديثٌ صحيحٌ، روَاه مسلمٌ (١٧)، وإنّما فسَّرَه بذلك؛ لأنَّ الشامَ يُسَمَّى مَغْرِبًا، لأنَّه مَغْرِبٌ للعراق، كما يُسَمَّى العراقُ مَشْرِقًا، ولهذا قيل: ولأَهْلِ المَشْرِق ذاتُ عِرْقٍ. وقد جاء في حديثٍ مُصَرَّحًا بِه: "لَا تَزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِىَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ بالشَّامِ". وفي حديثٍ (١٨)، عن مالِكِ
---------------
(١٢) أبو الشيخ عبد اللَّه بن محمد بن جعفر بن حبان الأصفهاني، محدث، مفسر، ثقة، توفى سنة تسع وستين وثلاثمائة. تاريخ التراث العربي ١/ ١/ ٤٠٤ - ٤٠٦. ولم يذكر الدكتور سزكين هذا الكتاب له.
(١٣) أخرجه الطبراني، في الكبير ٨/ ١٥٧.
(١٤) سقط من: أ.
(١٥) أخرجه عبد الرزاق، في؛ باب الرباط، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ٢٨٠. عن يزيد بن أبي حبيب يقول: جاء رجل من الأنصار إلى عمر بن الخطاب.
(١٦) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٣٣، ٣٤.
(١٧) في: باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتى. . ."، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٥٢٥.
(١٨) في م: "الحديث".

الصفحة 20