كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 13)
قومٌ يَكْفُون في قتالِهِمْ؛ إمَّا أن يكونوا جُنْدًا لهم دَواوينُ من أجلِ ذلك، أو يكونوا قد أعدُّوا أنفسَهم له تَبَرُّعًا بحيثُ إذا قَصَدَهُمُ العدُوُّ حَصَلَت المَنَعَةُ بهم، ويكونُ في الثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ العَدُوَّ عنها، ويُبْعَثُ في كلِّ سنةٍ جيشٌ يُغِيرونَ على العَدُوِّ في بلادِهم.
فصل: ويَتَعَيَّنُ الجهادُ في ثلاثةِ مواضعَ؛ أحدها، إذا الْتَقى الزَّحْفَانِ، وتقابلَ الصَّفَّان؛ حَرُمَ على مَنْ حَضَرَ الانْصِرافُ، وتَعَيَّنَ عليه الْمُقامُ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} (١٣). وقولِه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وقولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (١٤). الثاني، إذا نَزَلَ الكُفَّارُ بِبَلَدٍ، تَعَيَّنَ على أهلِه قتالُهم ودَفْعُهم. الثالث، إذا اسْتَنْفَرَ (١٥) الإِمامُ قومًا لَزِمَهُم النَّفِيرُ معه؛ لقولِ اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} (١٦). الآية والتى بعدها. وقال النَّبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
فصل: ويُشْتَرَطُ لوجوبِ الجهادِ سبعةُ شُروطٍ؛ الإِسلامُ، والبُلُوغُ، والعقلُ، والحُرِّيَّةُ، والذُّكُورِيَّةُ، والسَّلَامَةُ من الضَّرَرِ، ووُجودُ النَّفَقَةِ. فأمَّا الإِسلامُ والبُلُوغُ والعَقْلُ، فهى شُرُوطٌ لوجوبِ سائرِ الفروعِ، ولأنَّ الكافِرَ غيرُ مَأْمُونٍ في الجهادِ، والمَجْنُونَ لا يَتَأَتَّى منه الجهادُ، والصَّبِىَّ ضَعِيفُ البِنْيَةِ، وقد رَوَى ابنُ عمر، قال: عُرِضْتُ على رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ، فلم يُجِزْنِى في المُقاتِلَةِ. مُتَّفَقٌ عليه (١٧). وأمَّا الحُرِّيَّةُ فتُشْتَرَطُ؛ لما رُوِىَ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُبايِعُ الحُرَّ على الإِسلامِ
---------------
(١٣) سورة الأنفال ٤٥. ولم يرد في الأصل، أ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}.
(١٤) سورة الأنفال ١٥، ١٦.
(١٥) في م: "استقر".
(١٦) سورة التوبة ٣٨.
(١٧) أخرجه البخاري، في: باب غزوة الخندق، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٣٧. ومسلم، في: باب بيان سن البلوغ، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٤٩٠. =
الصفحة 8
739