كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 13)

والجهادِ، ويبايعُ العبدَ على الإِسلامِ دونَ الجهادِ (١٨). ولأنَّ الجهادَ عبادَةٌ تَتَعَلَّقُ بقَطْع مَسافَةٍ، فلم تَجِبْ على العبدِ، كالحَجِّ. وأمَّا الذُّكُورِيَّةُ فتُشْتَرَطُ؛ لما رَوَتْ عائِشَةُ، قالتْ: يا رسولَ اللَّه، هل على النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فقال: "جِهادٌ لا قِتَالَ فيه؛ الحَجُّ، والعُمْرَةُ" (١٩). ولأنَّها ليستْ من أهلِ القتالِ؛ لِضَعْفِها وخَوَرِها، ولذلك لا يُسْهَمُ لها. ولا يَجِبُ على خُنْثَى مُشْكِلٍ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ كونُه ذكرًا، فلا يَجِبُ مع الشَّكِّ في شَرْطِه. وأمَّا السَّلامَةُ من الضَّرَرِ، فمعناه السَّلَامَةُ من العَمَى، العَرَجِ والمرضِ، وهو شرطٌ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (٢٠). ولأنَّ هذه الأعْذارَ تَمْنَعُه من الجِهَادِ؛ فأمَّا العَمَى فمعروفٌ، وأمَّا العَرَجُ، فالمانِعُ منه هو الفاحِشُ الذي يمنعُ المشْىَ الجَيِّدَ والرُّكُوبَ، كالزَّمَانَةِ ونحوِها، وأمَّا اليَسِيرُ الذي يتَمكَّنُ معه من الرُّكُوبِ والْمَشْىِ، وإنَّمَا يتَعذَّرُ عليه شِدَّةُ العَدْوِ، فلا يَمْنَعُ وُجوبَ الجِهادِ؛ لأنَّه يتَمَكَّنُ (٢١) منه، فَشَابَهَ الأعْوَرَ. كذلك المرضُ المانِعُ هو الشَّدِيدُ، فأمَّا اليَسِيرُ منه الذي لا يمنعُ إمْكانَ الجِهادِ، كوجَعِ الضِّرْسِ والصُّداعِ الخفيفِ، فلا يَمْنَعُ الوُجوبَ؛ لأنَّه لا يتعذَّرُ معه الجهاد، فهو كالعَوَرِ. وأما وُجودُ النَّفقة، فيُشْتَرَطُ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢٢). ولأنَّ الجهادَ لا يُمْكِنُ إلَّا بآلةٍ، فيُعْتَبَرُ القُدْرةُ عليها. فإن كان الجهادُ على مَسافةٍ لا تُقْصَرُ فيها الصَّلَاةُ،
---------------
= كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغلام يصيب الحد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٥٣. وابن ماجه، في: باب من لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٥٠.
(١٨) ذكر ابن حجر، في تلخيص الحبير ٤/ ٩١، ٩٢ أن النسائي أخرجه. وانظر: تحفة الأشراف ٢/ ٢٣٧.
(١٩) أخرج نحوه البخاري، في: باب حج النساء، من كتاب المحصر وجزاء الصيد، وفي: باب جهاد النساء، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري ٣/ ٢٤، ٤/ ٣٩. وابن ماجه، في: باب الحج جهاد النساء، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٦٨. والإِمام أحمد في: المسند ٦/ ٧٥، ٧٩، ١٦٦.
(٢٠) سورة النور ٦١.
(٢١) في أ، م: "ممكن".
(٢٢) سورة التوبة ٩١.

الصفحة 9