كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 14)

وعبدُ الرحمنِ بنُ القاسمِ بنِ عبدِ الرحمنِ (٣٠)، لا يأْخُذانِ عليه أجرًا، وقالا: لا نأْخُذُ أجرًا على أنْ نعدِلَ بين اثنينِ. وقال أصحابُ الشَّافعيِّ: إنْ لم يكنْ مُتَعَيِّنًا جازَ له (٣١) أخذُ الرِّزقِ عليه، وإنْ تعيَّنَ لم يجُزْ إلَّا مع الحاجةِ. والصحيحُ جَوازُ أخْذِ الرِّزْقِ عليه بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ أبا بكرٍ، رَضِيَ اللهُ عنه، لمَّا وَلِىَ الخلافةَ، فَرَضُوا له رِزْقًا (٣٢) كلَّ يومٍ دِرْهمَيْن (٣٣). ولِمَا ذكَرْناه مِن أنَّ عمرَ رَزقَ زيدًا وشُريْحًا وابنَ مسعودٍ، وأَمرَ بِفرْضِ الرِّزقِ (٣٤) لِمَن تَولَّى مِن القُضاةِ، ولأنَّ بالنَّاسِ حاجةً إليه، ولو لم يجزْ فَرْضُ الرِّزقِ لَتَعطَّلَ، وضاعتِ الحقوقُ. فأمَّا الاسْتئْجارُ عليه، فلا يجوزُ. قال عمرُ، رَضِيَ اللهُ عنه: لا ينْبَغِي لِقاضِي المُسلمينَ أنْ يأْخُذَ على القَضاءِ أجْرًا (٣٥). وهذا مذهبُ الشَّافعيِّ، ولا نعلم فيه خِلافًا؛ وذلك لأنَّه قُرْبَةٌ يخْتَصُّ فاعلُه أنْ يكونَ من (٣٦) أهلِ القُرْبةِ، فأشْبَهَ الصَّلاةَ؛ ولأنَّه لا يَعْمَلُه الإنسانُ عن غيرِه، وإنَّما يقَعُ عن نفْسِه، فأشْبَهَ الصَّلاةَ، ولأنَّه عملٌ غيرُ مَعلومٍ. فإنْ لم يكُنْ للقاضِي رِزْقٌ، فقال للخَصْمَيْن: لا أقْضِي بينَكما حتى تَجْعَلا لي رِزْقًا عليه. جازَ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَجُوزَ.

فصل: وإذا كان الإمامُ في بلدٍ، فعليْهِ أنْ يبْعَثَ القُضاةَ إلى الأمْصارِ غيرِ بلَدِه؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثَ عليًّا قاضيًا إلى اليَمَنِ، وبعثَ مُعاذَ بنَ جبلٍ إلى اليمنِ أيضًا. وقال له: "بِمَ تَحْكُمُ؟ " قال: بكتابِ اللهِ تعالى. قال: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ" قال: فبسنَّةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ" قال: أجْتَهِدُ رَأيي. قال: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ
---------------
(٣٠) عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن البكرى، من أولاد أبى بكر الصديق، إمام ثبت فقيه، من صغار التابعين، توفى بحوران، في سنة ست وعشرين ومائة. سير أعلام النبلاء ٦/ ٥، ٦.
(٣١) سقط من: ب.
(٣٢) في م: "الرزق".
(٣٣) انظر: ما أخرجه البخاري، في: باب كسب الرجل وعمله بيده، من كتاب البيوع. صحيح البخاري ٣/ ٧٤. والبيهقى، في: باب ما يكره للقاضي من البيع والشراء، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ١٠٧. وابن سعد، في الطبقات الكبرى ٣/ ١٨٥.
(٣٤) سقط من: الأصل.
(٣٥) أخرجه عبد الرزاق، في: باب هل يؤخذ على القضاء رزق؟ من كتاب البيوع. المصنف ٨/ ٢٩٧. وابن أبي شيبة، في: باب في القاضي يأخذ الرزق، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٦/ ٥٠٥.
(٣٦) في الأصل، أ، م: "في".

الصفحة 10