كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 14)

النَّاسِ! وفيه فضلٌ عظيمٌ لِمَن قوِيَ على القيامِ به، وأداءِ الحقِّ فيه، ولذلك جعلَ اللَّه فيه أجْرًا مع الخطأِ، وأسْقَطَ عنه حُكْمَ الخطأِ، ولأنَّ فيه أمرًا بالمعروفِ، ونُصْرَةَ المَظْلومِ (٧)، وأداءَ الحقِّ إلى مُستحقِّهِ، ورَدًّا للظالِمِ عن ظُلْمِه، وإصْلَاحًا بينَ النَّاسِ، وتَخليصًا لبعضِهمْ من بعضٍ، وذلك مِن أبْوابِ القُرَبِ؛ ولذلك تَولَّاه النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والأنبياءُ قبلَه، فكانوا يَحكُمونَ لِأُمَمهم، وبَعثَ عليًّا إلى اليمنِ قاضِيًا (٨)، وبَعثَ أيضًا مُعاذًا قاضِيًا (٩).
وقد رُوِيَ عنِ ابنِ مسعودٍ، أنَّه قال: لأنْ أجلِسَ قاضيًا بين اثنيْنِ، أحبُّ إليَّ مِن عِبادةِ سبعينَ سنةً (١٠). وعن عُقبةَ بنِ عامرٍ، قال: جاء خَصْمانِ يَختصِمانِ إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لي (١١): "اقْضِ بَيْنَهُمَا". قلتُ: أنتَ أوْلَى بذلك. قال: "وَإنْ كَانَ". قلتُ: علامَ أقْضِى؟ قال: "اقْضِ، فَإِنْ أصبْتَ فَلَكَ عَشرَةُ أُجُورٍ، وإِنْ أَخْطَأْتَ فَلَكَ أجْرٌ وَاحِدٌ". رواه سعيدٌ في "سُننِه" (١٢).

فصل: وفيه خَطرٌ عظيمٌ ووِزْرٌ كبيرٌ لِمَن لم يُؤَدِّ الحقَّ فيه، ولذلك كان السَّلفُ، [رَحِمَهم اللهُ] (١٣)، يَمْتَنِعونَ منه أشدَّ الامْتِناعِ، ويَخْشَون على أنْفُسِهم خَطَرَه. قال خاقانُ بنُ عبدِ اللهِ: أُريدَ أبو قِلابةَ على قضاءِ البصرَةِ، فهَرَبَ إلى اليَمامَةِ، فأُرِيدَ على
---------------
(٧) في ب: "لمظلوم".
(٨) أخرجه أبو داود، في. باب كيف القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود ٢/ ٢٧٠. وابن ماجه، في: باب ذكر القضاء، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٤. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٨٣، ٨٨، ١٣٦، ١٤٩. والبيهقي، في: كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ٨٦، ٨٧.
(٩) تقدم تخريجه، في: ١/ ٢٧٥، ٤/ ٥.
(١٠) انظر ما أخرجه البيهقي، في: باب فضل من ابتلى بشىء من الأعمال. . .، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ٨٩.
(١١) سقط من: م.
(١٢) وعزاه صاحب الكنز إلى ابن عساكر: كنز العمال ٥/ ٨٠٢.
(١٣) في ب، م: "رحمة اللَّه عليهم".

الصفحة 6