كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 14)

أرادَ عثمانُ رضِى اللهُ عنه تَوليةَ ابنِ عمرَ القضاءَ فَأباه (١٩). وقال أبو عبدِ اللهِ ابنُ حامدٍ: إنْ كانَ رجلًا خامِلًا، لا يُرجعُ إليه في الأحْكامِ، ولا يُعْرَفُ، فالأوْلَى له تَوَلِّيه، ليُرْجَعَ إليه في الأحكامِ، ويقُومَ به الحقُّ، ويَنْتفِعَ به المُسلمون، وإنْ كان مشهورًا في النَّاسِ بالعلمِ، يُرجَعُ إليه في تعليمِ العلمِ والفَتْوَى، فالأوْلَى الاشْتغالُ بذلك، لما فيه من النَّفْعِ مع الأمنِ من الغَرَرِ. ونحوَ هذا قال أصحابُ الشَّافِعِيِّ، وقالوا أيضًا: إذا كان ذا حاجةٍ، وله في القضاءِ رِزْقٌ، فالأوْلَى له الاشْتِغالُ به، فيكونُ أولَى مِن سائرِ الْمَكاسبِ؛ لأنَّه قُرْبَةٌ وطاعةٌ. وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّه يُكْرَهُ للإنسانِ طَلَبُه، والسَّعْيُ في تَحْصِيلهِ؛ لأنَّ أنَسًا رَوَى عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ، وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ، وُكِلَ إلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أنزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ". قال التِّرْمِذِيُّ (٢٠): هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعبدِ الرحمنِ بنِ سَمُرَةَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَن مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ (٢١) غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا". مُتَّفَقٌ عليه (٢٢). الثالثُ: مَن يجبُ عليه، وهو مَن يَصلُحُ
---------------
(١٩) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء عن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القاضي، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي ٦/ ٦٣، ٦٤. وابن حبان، في: باب ذكر الزجر عن دخول المرء في قضاء المسلمين. . .، . من كتاب القضاء. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٧/ ٢٥٧، ٢٥٨. وذكره وكيع، في: أخبار القضاة ١/ ١٧، ١٨.
(٢٠) في: باب ما جاء عن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القاضي، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي ٦/ ٦٥، ٦٦.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في طلب القضاء والتسرع إليه، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٩. وابن ماجه، في: باب ذكر القضاة، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٤. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ١١٨، ٢٢٠.
(٢١) في م: "من".
(٢٢) أخرجه البخاري، في: أول كتاب الأيمان والنذور، وفي: باب الكفارة قبل الحنث وبعده، من كتاب الكفارات، وفي: باب من لم يسأل الإمارة أعانه اللَّه، وباب من سأل الإمارة وكل إليها، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري ٨/ ١٥٩، ١٨٤، ٩/ ٧٩. ومسلم: في: باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٤٥٦.
كما أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في طلب الإمارة، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود ٢/ ١١٨. والترمذي، في: باب ما جاء في من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، من أبواب النذور. عارضة الأحوذي ٧/ ١٠. والنسائي، في: باب النهي عن مسألة الإمارة، من كتاب القضاة. المجتبى ٨/ ١٩٨. والدارمي، في: باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، من كتاب النذور. سنن الدارمي ٢/ ١٨٦. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ٦٢، ٦٣.

الصفحة 8