كتاب المغني لابن قدامة ت التركي (اسم الجزء: 14)

للقضاءِ، ولا يُوجَدُ سِواهُ، فهذا يتعيَّنُ عليه (٢٣)؛ لأنَّه فرضُ كِفايةٍ، لا يقدِرُ على القيامِ به غيرُه فيتَعيَّنُ عليه، كَغَسْلِ الميِّتِ وتكْفِينِه. وقد نُقلَ عن أحمدَ ما يدُلُّ على أنَّه لا يتَعيَّنُ عليه، فإنَّه سُئِلَ: هلْ يأْثمُ القاضِى إذا لم يُوجَدْ غيرُه؟ قال: لا يَأْثَمُ. فهذا يَحْتِمَلُ أنَّه يُحْمَلُ على ظاهرِه، في أنَّه لا يجبُ عليه، لِما فيه من الخَطَرِ بنَفْسِه، فلا يَلْزَمُه الإضْرارُ بنفسِه لِنَفْعِ غيرِه، ولذلك امتنعَ أبو قِلَابةَ منه، وقد قيلَ له: ليس غيرُك. ويَحْتَمِلُ أنْ يُحمَلَ على مَنْ لم يُمْكِنْه القيامُ بالواجبِ، لظُلْمِ السُّلطانِ أو غيرِه؛ فإنَّ أحمدَ قال: لابُدَّ للنَّاسِ مِن حاكمٍ، أتذهبُ حقوقُ النَّاسِ!

فصل: ويجوزُ للقاضي أخْذُ الرِّزقِ، ورخَّصَ فيه شُرَيْحٌ، وابنُ سِيرِينَ، والشَّافعيُّ، وأكثرُ أهلِ العلمِ. ورُوِيَ عن عمرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه اسْتَعْملَ زيدَ بنَ ثابتٍ على الْقضاءِ، وفرضَ له رِزْقًا (٢٤). ورَزقَ شُرَيحًا في كلِّ شهرٍ مائةَ درهمٍ (٢٥). وبعث إلى الكوفةِ عمَّارًا وعُثمانَ بنَ حُنَيفٍ وابنَ مسعودٍ، ورَزَقَهم كلَّ يومٍ شاةً؛ نِصفُها لِعمَّارٍ ونصفُها لابنِ مسعودٍ وعُثمانَ، وكان ابنُ مسعودٍ قاضِيَهم ومُعَلِّمَهم (٢٦). وكتبَ إلى مُعاذِ ابنِ جَبَلٍ، وأبي عُبَيْدةَ، حين بعثَهُما إلى الشَّامِ، أنِ انظُرا رِجالًا مِنْ صالحِي مَن قِبَلَكُم، فاسْتَعمِلوهُم على القَضاءِ، وأوسِعوا عليهم، وارْزُقوهم، واكْفُوهم مِن مالِ اللهِ (٢٧). وقالَ أبو الخطَّابِ: يجوزُ له أخذُ الرِّزقِ مع الحاجَةِ، فأمَّا مع عَدمِها فعلى وَجهيْن. وقال أحمدُ: لا (٢٨) يُعجبُني أن يأخذَ على القضاءِ أجرًا، وإنْ كانَ فبقدْرِ شُغْلِه، مثل والِي اليَتيمِ. وكان ابنُ مسعودٍ والحسنُ يَكْرهانِ الأجرَ على القضاءِ (٢٩). وكان مَسْروقٌ،
---------------
(٢٣) سقط من: الأصل.
(٢٤) أخرجه ابن سعد، في: الطبقات الكبرى ٢/ ٣٥٩.
(٢٥) انظر: ما أخرجه عبد الرزاق، في: باب هل يؤخذ على القضاء رزق؟ من أبواب القضاء. المصنف ٨/ ٢٩٧.
(٢٦) أخرجه ابن سعد، في: الطبقات الكبرى ٣/ ٢٥٥.
(٢٧) انظر: إرواء الغليل ٨/ ٢٣٤.
(٢٨) في ب، م: "ما".
(٢٩) أخرج خبر الحسن، ابن أبي شيبة في: باب في القاضي يأخذ الرزق، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٦/ ٥٠٥.

الصفحة 9