كتاب محاضرات الشنقيطي

ومما يوضح العدالة التامة والإنصاف الكامل في التشريع السماوي، وأنه يأمر المسلمين بالعدالة في أعدائهم، وينهاهم عن أن يحملهم بُغْضُهم وعداوتهم على العدوان عليهم أو عدم العدالة فيهم كقوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} الآية [المائدة / ٢]. وقوله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة / ٨].
ومما يوضح ذلك أيضًا: أنه يأمر بالقسط والعدالة ولو كان ذلك على نفس الإنسان أو والديه أو قرابته، وينهى عن اتباع الهوى في ذلك، ويبين أن كون هذا غنيًّا وهذا فقيرًا لا يجوز أن تُتَّخَذ منه طريق إلى ظلم الناس بدعوى الأخذ من الغني للفقير وذلك في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَو الْوَالِدَينِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)} [النساء: ١٣٥].
ومما يوضح ذلك: أنه يأمر باحترام ملك الفرد، وبَيَّن ما في عدم احترامه مما لا ينبغي كإخراج الأضغان، قال تعالى: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (٣٧)} [محمد / ٣٦ - ٣٧]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء / ٢٩]، وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)}

الصفحة 135