كتاب تفسير المراغي (اسم الجزء: 4)

اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت هذه الآية فتاب الله عليهم كلهم» .
وروى أحمد ومسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشجّ فى وجهه حتى سال الدم على وجهه، فقال: كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الآية.
وإن لما حدث فى وقعة أحد لحكما دينية واجتماعية وحربية يمكن أن نحملها لك فيما يلى:
كان المؤمنون فى وقعة بدر واثقين بنصر الله لنبيه وإظهار دينه، لم يضعف إيمانهم بذلك قلتهم وضعفهم، ولا إخراج المشركين للمهاجرين من ديارهم وأموالهم، ولما رأوا تباشير النصر ازدادوا إيمانا بأنهم المنصورون، وأن جندهم هم الغالبون ولكن خيّل إلى الكثير منهم أن النصر سيكون بالآيات، وخوارق العادات، من غير التزام السنن الإلهية التي جعلها الله فى هذا الكون، وبنى عليها نظم الحياة، وأن وجود الرسول بين ظهرانيهم، ودعاءه ربه واستغاثته إياه أشد نكالا بالعدو من اتباع السنن الظاهرة التي من أهمها التزام النظام العسكري وإطاعة القائد، وجودة التعبئة، وحسن الحيلة، والتدبير فى وضع الخطط الحربية، إلى نحو أولئك.
وفاتهم أن الدين الإسلامى دين الفطرة، لا دين خوارق العادات، وسلوك طريق المعجزات.
فلما قصّروا فى الأخذ بالأسباب يوم أحد ظهر عليهم عدوهم، وجرح الرسول، وإن كان هو لم يقصر ولم ينهزم، ولكن البلاء إذا نزل لا يخص من كان السبب فى وجوده كما قال تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» وكان من هذا درس عظيم للمؤمنين لمسوه بأيديهم وعلموا أن الرسول بشر ليس له من أمر العباد شىء، وإنما هو معلّم وأسوة حسنة فيما يعلم، والأمر كله لله يدبره بمقتضى سننه فى الخلق.

الصفحة 61