كتاب تفسير المراغي (اسم الجزء: 5)

وطاوس، وقيل بل خفف عنكم التكاليف كلها، ولم يجعل عليكم فى الدين من حرج، فشريعتكم هى الحنيفية السمحة كما ورد فى الحديث.
(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) يستميله الهوى والشهوات، ويستشيطه الخوف والحزن، ولا يقدر على مقاومة الميل إلى النساء، ولا يقوى على الضيق عليه فى الاستمتاع بهن.
وقد رحم الله عباده فلم يحرّم عليهم منهن إلا ما فى إباحته مفسدة عظيمة وضرر كبير، ولا يزال الزنا ينتشر حيث يضعف وازع الدين، ولا يزال الرجال هم المعتدين فهم يفسدون النساء ويغرونهن بالأموال ويحجر الرجل على امرأته ويحجبها بينما يحتال على امرأة غيره ويخرجها من خدرها، وإنه لغرّ جاهل، أفيظن أن غيره لا يحتال على امرأته كما احتال هو على امرأة سواه؟ فقلما يفسق رجل إلا يكون قدوة لأهل بيته فى الفسق والفجور،
وفى الحديث: «عفوا تعفّ نساؤكم وبرّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم» رواه الطبراني من حديث جابر.
وقد بلغ الفسق فى هذا الزمن حدّا صار الناس يظنونه من الكياسة، وزالت غيرتهم، وأسلسوا القياد لنسائهم كما يسلسن لقيادتهن، فوهت الروابط الزوجية، ونخر السوس فى سعادة البيوت، ووجدت الرذيلة لها مرتعا خصيبا فى أجواء الأسر، حتى أصبح الرجل لا يثق بنسله، وكثرت الأمراض والعلل بشتى مظاهرها.
أخرج البيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ثمانى آيات نزلت فى سورة النساء هى خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت، وعدّ هذه الآيات الثلاث: يريد الله ليبين لكم إلى قوله وخلق الإنسان ضعيفا، والرابعة إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم، والخامسة: إن الله لا يظلم مثقال ذرة، والسادسة: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، والسابعة:
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، والثامنة: والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم. الآية.

الصفحة 15