كتاب تفسير المراغي (اسم الجزء: 27)

وقوله: وما غوى- ردّ لقولهم إنه شاعر: أي ليس بينه وبين الغواية تعلق وارتباط، وقوله: والشعراء يتبعهم الغاوون، وقوله: وما ينطق عن الهوى- ردّ لقولهم كاهن، وقوله: إن هو إلا وحي يوحى تأكيد لما تقدم، أي فلا هو بقول كاهن، ولا هو بقول شاعر.
(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) أي علّم صاحبكم جبريل عليه السّلام وهو شديد القوى العلمية والعملية، فيعلم ويعمل، ولا شك أن مدح المعلّم مدح للمتعلم.
وفى هذا رد عليهم فى قولهم: إن هو إلا أساطير الأولين، سمعها وقت سفره إلى الشام.
والخلاصة- إنه لم يعلمه أحد من الناس، بل علمه شديد القوى، والإنسان خلق ضعيفا لم يؤت من العلم إلا قليلا- إلى أنه موثوق بقوله، لأن قوة الإدراك شرط الوثوق بقول القائل، وكذلك هو موثوق بحفظه وأمانته، فلا ينسى ولا يحرّف.
(ذُو مِرَّةٍ) أي ذو حصافة فى العقل، فالوصف الأول إشارة إلى قوة الفعل، وهذا وصف بقوة النظر وظهور الآثار البديعة منه.
والخلاصة- إنه يجمع بين القوى النظرية والقوى الجسمية كما روى أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى وحملها على جناحيه ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وصاح بثمود فأصبحوا جاثمين.
وإنا لنؤمن بهذا على أنه من عالم الغيب ونكتفى بما جاء فى كتابه تعالى ولا نزيد عليه.
وإن علماء الأرواح فى أوروبا الآن أصبحوا يؤمنون بقوى عالم الروح وبما لها من خوارق العادات بالنظر إلى عالمنا. قال أوليفر لودج: إنى أصبحت موقنا بأنا محوطون بعالم نحن بالنسبة إليه كالنمل بالنسبة لنا، وهم يساعدوننا ويحافظون علينا، ثم قال:
وقفت على هذا بطريق علمى (يريد تحضير الأرواح) ثم قال: فإذا ما قال القدّيسون إنهم رأوا الملائكة أو أنهم رأوا الله، فكل ذلك حق لا مرية فيه اه.

الصفحة 46