كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 1)
الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. إِلَّا قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّ عَبْدِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَوْفُوهُ إِيَّاهُ. فَيُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ". قال القاسمُ بن عبد الرحمن: ما في أهلنا جارية إلا تقول هذا في خدرها.
قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ، وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ" هذا كما في حديث ابن مسعود (¬1) المتقدم: "فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنَ الشَّرِّ، وَتُبَاعِدْنِي مِنَ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ". والمقصودُ من ذلك: سؤالُ العبد لربه أنْ يتولاَّه برحمته، وأنْ لا يكله إِلَى نفسه.
وفي كتاب "اليوم والليلة" للنسائي (¬2): عن أنس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: "مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَأَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ اسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، ولاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ".
وخرَّجه الطبراني (¬3)، وزاد فيه: "ولاَ إِلَى أحدٍ منَ الناسِ".
وخرَّج أبو داود والنسائي (¬4): من حديث أبي بكرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دَعْوَة الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت".
وقال قتادة: لما نزل قولُه تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} (¬5) الآيات، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ" (¬6).
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 412).
(¬2) برقم (570).
(¬3) في "الأوس" (3565)، (8021).
(¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" (5090)، والنسائي في "الكبرى" (6/ 167) برقم (10487/ 25).
(¬5) الإسراء: 74.
(¬6) أخرجه الطبري في "التفسير" (15/ 89).
الصفحة 140