كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 1)

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ" هذا كما وصى النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا أن يقول في دبر كل صلاة: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" (¬1).
فهذا أمران:
أحدهما: شكر العم، وهو مأمور به، قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} (¬2)، وقال: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬3) والشكر بالقلب واللسان والعمل بالجوارح.
فالشكر بالقلب: الاعتراف بالنعم للمنعم، وأنها منه وبفضله، وجاء من حديث عائشة مرفوعًا: "مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً، فَعَلِمَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ شُكْرُهَا" (¬4).
ومن الشكر بالقلب محبة الله عَلَى نعمه، ومنه حديث ابن عباس المرفوع: "أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ (*) بِهِ مِنْ (النِّعَمِ) (**) " (¬5).
قال بعضهم: إذا كانت القلوب جبلت عَلَى حب من أحسن إليها، فواعجبًا لمن لا يرى محسنًا إلا الله، كيف لا يميل بكليته إِلَيْهِ؟!
وقال بعضهم:
إذا أنت لم تزدد على كل نعمة ... لمؤتيكها حبًّا فلست بشاكر
إذا أنت لم تؤثر رضى الله وحده ... عَلَى كل ما تهوى فلست بصابر
والشكر باللسان: الثناء بالنعم وذكرها، وتعدادها وإظهارها.
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد (5/ 245، 247).
(¬2) البقرة: 152.
(¬3) النحل: 114.
(¬4) أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في "الشكر" (47).
(*) يغذوكم: أي يرزقكم.
(**) نعمة: "نسخة" وهي موافقة لرواية الترمذي.
(¬5) أخرجه الترمذي (3789) قال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه ..

الصفحة 349