كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 2)

فليطفئها عنه بالماء البارد".
خرجه أبو أحمد الحاكم، وإسناده جيد، وهو غريب جدًّا!
فَإِذَا كانت الحمى من النار، ففي هذه الأحاديث السابقة أنها حظ المؤمن من نار جهنم يوم القيامة.
والمعنى -والله أعلم- أن حرارة الحمى في الدُّنْيَا تكفر ذنوب المؤمن، ويطهر بها، حتى يلقى الله بغير ذنب، فيلقاه طاهرم مطهرًا من الخبث، فيصلح لمجاورته في دار كرامته دار السلام، ولا يحتاج إِلَى تطهير في كير جهنم غدًا؛ حيث لم يكن فيه خبث يحتاج إِلَى تطهير، وهذا في حق المؤمن الَّذِي حقق الإيمان، ولم يكن له ذنوب، إلا ما تكفره الحمى وتطهره.
وقد تواترت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتكفير الذنوب بالأسقام والأوصاب، وهي كثيرة جدًّا يطول ذكرها.
ونحن نذكر هاهنا من ذلك بعض النصوص المصرحة بتكفير الحمى.
ففي "صحيح مسلم" (¬1) عن جابر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عَلَى أم السائب- أو
أم المسيب- فَقَالَ: "فَقَالَ: مَا لَكِ تُزَفْزِفِينَ" (¬2).
قَالَتِ: الْحُمَّى، لا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا.
قَالَ: "لا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ الخَبَثَ».
وخرج ابن ماجه (¬3) من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه.
وخرج الحاكم (¬4) من حديث عبد الرحمن بن أزهر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ العَبْدُ الْمُؤْمِنُ حِينَ يُصِيبُهُ الْوَعْكُ أَوِ الْحُمَّى، كَمَثَلُ حَدِيدَةٍ تَدْخُلُ النَّارَ، فَيَذْهَبُ خَبَثُهَا، وَيَبْقَى طَيِّبُهَا».
وقال: صحيح الإسناد.
¬__________
(¬1) برقم (2575).
(¬2) تزفزف: "ترتعد من البرد، ويروى بالراء" "النهاية".
(¬3) برقم (3469).
(¬4) في "المستدرك" (1/ 348).

الصفحة 374