كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 2)

وينتفع بزيارة من زاره ويسلم عليه ويستأنس بذلك.
وقد وصَّى عمرو بن العاص، أن يقيموا عَلَى قبره بعدَ دفنه بقدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها وقال: أستأنس بكم، وانظر ما أراجع به رسل ربي.
وفي "سنن أبي داود" (¬1): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دفن الميت قال: سلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل".
وأمَّا إقامتهم عنده بعد ذلك فلا ينتفع به.
ضربت امرأة الحسن بن الحسن بن علي عَلَى قبره بالبقيع فسطاطًا سنة، ثم نزعته بعد السنة وانصرفت، فسمعوا هاتفًا بالبقيع يقول: هل وجدوا ما فقدوا؟ أفاجابه مجيبٌ من الناحية الأخرى: بل يئسوا فانقلبوا.
لمَّا دُفن داود الطائي حضر جنازته أهلُ الكوفة، وأثنى عليه ابن السماك بأعماله الصالحة، والناس يصدِّقونه عَلَى قوله: فقام أبو بكر النهشلي (¬2) فَقَالَ: اللهمَّ لا تكله إِلَى عمله، فأعجب الناس قوله فلمَّا انصرفوا قال ابن السماك: يا داود رجعنا وتركناك، ولو أقمنا ما أنفعناك ثم أنشأ يقول:
انصرف الناس إِلَى دورهم ... وغُودر الميت فى رمسه (¬3)
مرتهن النفس بأعماله ... لا يرتجي الإطلاق عن حبسه
لنفسه صالح أعماله ... وما سواها فعلى نفسه
ومع هذا فالمؤمن يبشَّرُ في قبره بصلاح ولده من بعده؛ لتقرَّ عينه.
وأعمال الأحياء تُعرض عَلَى أقاربهم من الموتى فيسرون بالأعمال الصالحة، ويدعون لأهلها بالتوبة والزيادة.
وتسوءهم الأعمال السيئة، ويدعون لأهلها بالتوبة والمراجعة.
¬__________
(¬1) برقم (3221) من حديث عثمان بن عفان.
(¬2) في "الأصل": النهلي. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
(¬3) الرمس: القبر. "اللسان" مادة: (رمس).

الصفحة 425