كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 2)

ويدل عليه أيضاً ما في "صحيح البخاري" (¬1) عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: "جَاءَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَدَاةَ بُنِيَ بِي فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي. وَجُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ الدُّفّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِلَى أَنْ قَالَتْ جَارِيةً مِنْهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ لَهَا: أمْسِكِي عَنْ هَذِهِ، وَقُولِي الَّتِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا". وفي "مسند الإمام أحمد" (¬2) و"سنن ابن ماجه" (¬3) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "أَهَدَيْتُمُ الْجَارِيَةَ إِلَى بَيْتِهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلَّا بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّيهِمْ يَقُولُ:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
فَإِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ". وعلى مثل ذلك أيضاً حمل طوائف من العُلَمَاء قول من رخص في الغناء من الفقهاء، من أصحابنا وغيرهم وقالوا: إِنَّمَا أردوا الأشعار التي لا تتضمن ما يُهيج الطباع إِلَى الهوى، وقريبٌ من ذلك الحداء (¬4)، وليس في شيء من ذلك ما يحرك النفوس إِلَى شهواتها المحرمة.
ونذكر بعض ما ورد في الكتاب والسنة والآثار من تحريم الغناء وآلات اللهو:
فأمَّا تحريم الغناء، فقد استُنبط من القرآن من آيات متعددة، فمن ذلك: قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (¬5). (¬6)
وقال ابن عباس: هو الغناء وأشباهه (¬7).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (5147).
(¬2) في "المسند" (3/ 391).
(¬3) في "السنن" (1900).
(¬4) قال الجوهري: الحدو: سوق الإبل والغناء لها. "اللسان" مادة: (حدو).
(¬5) لقمان: 6.
(¬6) أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 309)، والطبري في "تفسيره" (21/ 61)، والحاكم (2/ 411)، والبيهقي في "السنن الكبير" (10/ 223) وغيرهم.
(¬7) أخرجه ابن أبى شيبة (6/ 310)، والبخاري في "الأدب المفرد" برقم (678، 1265)، وابن جرير في "تفسيره" (21/ 61) وغيرهم.

الصفحة 445