كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 1)

عَلَى العبد من طلب المال، وضررُه أعظمُ، والزهدُ فيه أصعبُ، فإِنَّ المال يبذلُ في طلبِ الرياسةِ والشَّرفِ.
والحرصُ عَلَى الشَّرفِ عَلَى قسمين:
أحدهما: طلبُ الشَّرفِ بالولايةِ والسُّلطانِ والمال.
وهذا خطرٌ جدًّا، وهو الغالبِ، يمنعُ خيرَ الآخرةِ وشَرَفَها وكرامَتها وعزَّها.
قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ... } (¬1) الآية.
وقلَّ مَنْ يحرصُ عَلَى رياسةِ الدُّنْيَا بطلبِ الولاياتِ فوفق؛ بل يُوكلُ إِلَى نفسهِ، كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمنِ بن سمرةَ: "يا عبدَ الرحمنِ، لا تسألِ الإمارةَ، فإِنَّكَ إِن أُعْطيتَهَا عن مَسألةٍ وُكّلتَ إليها، وإنْ أُعْطيتَهَا من غير مسألةٍ أُعنتَ عليها" (¬2).
قال بعضُ السَّلفِ: ما حرصَ أحدٌ عَلَى ولايةٍ فعدل فيها.
وكان يزيدُ بنُ عبد الله بن وهبٍ من قضاةِ العدلِ والصَّالحين، وكان يقولُ: من أَحَبَّ المالَ والشَّرفِ وخافَ الدوائِرَ لم يعدلْ فيها.
وفي "صحيح البخاريّ" (¬3) عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إِنكم سَتحرصونَ عَلَى الإمارة، وستكونُ ندامةً يوم القيامةِ، فنعم المرضعةُ، وبئستِ الفاطمة".
وفيه (¬4) -أيضاً- عن أبي موسى الأشعريِّ "أنَّ رجلين قالا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، أَمَّرنا. قال: إِنَّا لاَ نولِي أَمرَنَا هذا من سأَلَه، ولا من حرصَ عليه".
¬__________
(¬1) القصص: 83.
(¬2) أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652).
(¬3) برقم (7148).
(¬4) أخرجه البخاري (7149)، ومسلم (1733).

الصفحة 71