كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 2)

كان بعض التابعين إذا جلس إِلَيْهِ أكثر من ثلاثة أنفس قام خوف الشهرة.
وكان علقمة يكثر الجلوس في بيته فقِيلَ لَهُ: ألا تخرج فتحدث الناس.
فَقَالَ: أكره أن يوطأ عقبي ويقال: هذا علقمة، هذا علقمة.
كان كثير من الصادقين من السَّلف يجتنب لباس الثياب التي يُظنُّ بأصحابها الخير، إبعادًا لهذا الظن عن أنفسهم.
وكان ابن محيريز يدعو فيقول: اللهم إني اسألك ذكرًا خاملاً.
وقال مطرف: انظروا قومًا إذا ذكروا ذكروا بالقراءة، فلا تكونوا منهم، وانظروا قومًا إذا ذكروا ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم، وكونوا بين ذلك.
وهذا هو الذكر الخفي المشار إِلَيْهِ في حديث سعد، وهو من أعظم نعم الله عَلَى عبده المؤمن، الَّذِي رزقه نصيبًا من ذوق الإيمان، فهو يعيش به مع ربه عيشًا طيبًا، ويحجبه عن خلقه حتى لا يُفسدُوا عليه حاله مع ربه، فهذه هي الغنيمة الباردة، فمن عرف قدرها وشكر عليها فقد تمت عليه النعمة.
وقد ورد في بعض الآثار أن العبد يسأل عن شكر هذه النعمة يوم القيامة.
تواريت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهرى وليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت ... وأين مكاني ما عرفن مكاني
كم بين حال هؤلاء الصادقين وبين من يسعى في ظهوره بكل طريق، باستجلاب قلوب الملوك وغيرهم، لكن إذا حقت الحقائق تبين الخالص من البهرج.

الصفحة 757