كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 3)

الباب الرابع في علامات المحبة الصادقة
من التزام طاعة الله -تعالى- والجهاد في سبيله واستحلاء الملامة في ذلك واتباع رسوله. قال الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
فوصف الله -سبحانه- المحبين له بخمسة أوصاف:
أحدها:
الذلة عَلَى المؤمنين، والمراد لين الجانب وخفض الجناح والرأفة والرحمة للمؤمنين، كما قال تعالى لرسوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] ووصف أصحابه بمثل ذلك في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وهذا يرجع إِلَى أن المحبين لله يحبون أحباءه ويعودون عليهم بالعطف والرأفة والرحمة، وقد سبق في الباب الأول بيان ذلك.
الثاني:
العزة عَلَى الكافرين، والمراد الشدة والغلظة عليهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم: 9].
وهذا يرجع إِلَى أن المحبين له يبغضون أعداءه، وذلك من لوازم المحبة

الصفحة 321