كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 3)

طالت بك الليالي والأيام؟ فقلت له: بم؟ قال: بالشوق إِلَى لقاء الله. قال: فسكت، وأتيت رابعة فذكرت ذلك لها. قال: فسمعت تخريق قميصها من وراء ثوبها وهي تقول: لكني نعم"
وقال عبيد الله بن محمد التميمي: "سمعت امرأة من المتعبدات تقول: والله لقد سئمت من الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقًا إِلَى لقاء الله وحبًّا للقائه: قال فقلت لها: أفعلى ثقة أنت من عملك؟ قالت: لا ولكن لحبي إياه وحسن ظني به، أَفَتَرَاهُ يعذبني وأنا أحبه؟! ".
وقال سلمة العوصي: "إني لمشتاق إِلَى (الموت) (¬1) منذ أربعين سنة؛ منذ فارقت الحسن بن صالح. قِيلَ لَهُ: ولم؟ قال: لو لم يشتق العامل إلا إِلَى (لقائه) (¬2) عز وجل لكان ينبغي له أن يشتاق".
"وكان أبو عبد الله النباحي يقول في مناجاته: إنك لتعلم أنك لو خيرتني بين أن تكون لي الدُّنْيَا منذ خلقت أَتَنعَّمُ فيها حلالاً ولا أُسئَلُ عنها يوم القيامة، وبين أن تخرجَ نفسي الساعة لاخترت أن تخرج نفسي الساعة. ثم قال: (أما) (¬3) تحب أنك تلقى من تطيع؟ ".
"وصحب رجل فتح بن شخرف ثلاثين سنة قال: فلم أره رفع رأسه إِلَى السماء إلا مرة [واحدة] (4) رفع رأسه وفتح عينيه ونظر إِلَى السماء ثم قال: [قد] (¬4) طال شوقي إليك؛ فعجل قدومي عليك".
وقال فتح الموصلي في [يوم] (4) عيد أضحى: "قد تقرب المتقربون بقربانهم، وأنا أتقرب إليك بطول حزني يا محبوب، لم تتركني في أرقة الدُّنْيَا محزونًا؟ ". ثم غشي عليه، وحمل فدفن بعد ثلاث رحمه الله -تعالى".
فهذا حال من غلب عليه الشوق والرجاء، فأما من غلب عليه الخوف فإنَّه
¬__________
(¬1) في المطبوع: "ربي".
(¬2) في المطبوع: "لقاء الله".
(¬3) في المطبوع: "ألا".
(¬4) من المطبوع.

الصفحة 354