كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 3)

يُطعمني ويسقيني" (¬1).
ويشير إِلَى ما يتجلى لقلبه من آثار القُرْبِ والأُنْسِ مما يقويه ويغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب.
كما قال القائل:
لها أحاديث من ذكراك تشغلُها ... عن (الطعام) (¬2) وتلهيها عن الزاد
ولم يزل أئمة العارفين يثبتون الشوق ويخبرون به عن أنفسهم.
قال عبد الواحد بن زيد: "يا إخوتاه، ألا تبكون شوقًا إِلَى الله -عز وجل-؟ ألا إنه من بكى شوقًا إِلَى سيده لم يحرمه النظر إِلَيْهِ".
وقال صالح المري: بلغني عن كعب أنَّه كان يقول: "من بكى اشتياقًا إِلَى الله -عز وجل- أباحه النظر إِلَيْهِ تبارك وتعالى".
قال حبيب بن عبيد: "كان دليجة إذا مشي طاشت قدماه من العبادة، فقيل له: ما شأنك؟! قال: الشوق. فقِيلَ لَهُ: أبشر؛ فإن الأمير قد بعث إِلَى سرح المسلمين ليأذن لهم. فيقول: ليس شوقي إِلَى ذلك، إن شوقي إِلَى من يحثها".
وقال عثمان بن صخر العتكي: "طوبى لمحبي الرب الذين عبدوه بالفرح والسرور والأنس والطمأنينة، فصاروا الصفوة من الخلق والخاصة من البرية، يحنون إِلَيْهِ حنين الولهان؟ ويشتاقون إِلَيْهِ شوق (من ليس له صبر) (¬3) عنه قد
¬__________
(¬1) ورد هذا الحديث من رواية جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- منهم:
أ- أبو هريرة، رواه عنه البخاري (1965، 1966) وفي مواضع أخر، ومسلم (1103).
ب- أنس، رواه عنه البخاري (1961)، ومسلم (1104).
ب- ابن عمر، رواه عنه البخاري (1922) وفي موضع آخر، ومسلم (1102).
د- عائشة، رواه عنها البخاري (1964) ومسلم (1105).
هـ- أبو سعيد الخدري، رواه عنه البخاري (1963) وفي موضع آخر.
(¬2) في المطبوع: "الشراب".
(¬3) في المطبوع وهامش الأصل: "من لا صبر لهم".

الصفحة 359