كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 4)

ويوم عرفة آخره أفضل من أوله؛ لأنّه وقت الوقوف، وكذلك آخر الليل أفضل من أوله.
كذا قَالَ السَّلف، واستدلوا بحديث النزول الإلهي (¬1).
وهذا كله مما يُرجح به قول من قَالَ إن صلاة العصر هي الوسطى.
وأما الوقت الثالث فهو الدُّلجة.
والإِدلاج: سير آخر الليل، والمراد به ها هنا العمل في آخر الليل وهو وقت الاستغفار، كما قَالَ تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]، وقال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18].
وهو آخر أوقات النزول الإلهي المتضمن لاستعراض حوائج السائلين، واستغفار المذنبين، وتوبة التائبين، وسط الليل للمحبين للخلوة بحبيبهم، وآخر الليل للمذنبين يستغفرون (من ذنوبهم) (*).
من عجز عن مشاركة المحبين في الجري معهم في ذلك المضمار فلا أقلَّ من مشاركة المذنبين في الاعتذار.
ورد في بعض الآثار: أن العرش يهتز من السَّحَر.
قَالَ طاووس: ما كنت أظن أن أحدًا ينام في السحر.
وفي الحديث الَّذِي خرَّجه الترمذي (¬2): "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل".
سير الدلجة آخر الليل يقطع به سفر الدُّنْيَا.
ولهذا في الحديث الَّذِي خرّجه مسلم (¬3): "إذا سافرتم فعليكم بالدُّلجة فإنَّ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) عن أبو هريرة مرفوعًا: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إِلَى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، منع يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
(*) لذنوبهم: "نسخة".
(¬2) برقم (2450) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر.
(¬3) لم أجده في مسلم، وأخرجه أبو داود (2571)، وابن خزيمة (2555) عن أنس مرفوعًا. وأخرجه أحمد (3/ 305، 381)، وأبو داود (2570)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (955)، وابن ماجه (329)، (3772)، وابن=

الصفحة 420