كتاب مجموع رسائل ابن رجب (اسم الجزء: 4)

أَحَبّ إِلَيْهِ مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ... " (¬1). الحديث.
وأعظم من تجب محبته في الله أنبياؤه ورسله، وأعظمهم نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي افترض الله عَلَى الخلق كلهم متابعته، وجعل متابعته علامةً لصحة محبته كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وتوعد من قدم محبة شيء من المخلوقين عَلَى محبته ومحبة رسوله ومحبة الجهاد في سبيله في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} [التوبة: 24].
ووصف المحبين له باللين للمؤمنين: من الرأفة بهم والرحمة والمحبة لهم، والشدة عَلَى الكافرين: من البغض لهم والجهاد في سبيله، فَقَالَ تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].
والثاني: محبة ما يحبه الله تعالى من الأعمال وبها يبلغ إِلَى حبه.
وفي هذا إشارة إِلَى أن درجة المحبة لله إِنَّمَا تُنال (بطاعته) (*) وبفعل ما يحبه، فإذا امتثل العبد أوامر مولاه وفعل ما يحبه أحبه الله تعالى ورقّاه إِلَى درجة محبته كما في الحديث الإلهي الَّذِي خرّجه البخاري: "وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" (¬2).
فأفضل ما استجلبت به محبة الله فعلُ الواجبات، وتركُ المحرَّمات، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات وجدان حلاوة الإيمان أن يكره أن يرجع إِلَى الكفر كما يكره أن يلقى في النار.
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (16) ومسلم (43) عن أبي هريرة.
(*) بطاعة الله: "نسخة".
(¬2) أخرجه البخاري (6502) عن أبي هريرة.

الصفحة 86