كتاب الإيمان والرد على أهل البدع (مطبوع ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية لبعض علماء نجد الأعلام، الجزء الثاني)

وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الهوام من الجن، من رأى شيئا في بيته فَلْيُحَرِّجْ عليه ثلاث مرات، فإن عاد وإلا فليقتله فإنه شيطان" 1.
وأخذ بعض العلماء من الحديث الأول، وهو قوله: "إن بالمدينة جنا …" 2 إلخ أن الإنذار ثلاثا بالمدينة، وصحح بعض أنه عام في كل بلدة لا تقتل حية حتى تُنْذَر؛ ثم الظاهر أن الإنذار مندوب إليه، وإن اقتضى بعض كلام الحنابلة وجوبه؛ حيث قال: قتل الحية بغير حق لا يجوز كالإنس، ولو كان كافرا.
والجن يتصورون بصور شتى، وحيات البيوت قد تكون جنا فتؤذن ثلاثا، فإن ذهبت وإلا قتلت؛ لأنها إن كانت حية أصلية قتلت، وإن كانت جنية، فقد أصرت على العدوان بظهورها للإنس في صورة حية تفزعهم بذلك. انتهى3.
والذي ينبغي أن الإنذار غير واجب؛ لأن الأصل في الصور أنها باقية على أصل خلقتها الأصلية.
وقد أهدر الشارع هذه الصورة أعني: صورة الحية بسائر أنواعها، وجعلها من الفواسق، وقد مر التحريض على قتلها، وكونها صورة جني أمر محتمل، وليس بمحقق، والاحتمال المخالف للأصل لا يقتضي الوجوب؛ لكن حديث البخاري ومسلم يقتضيه، ولفظ ابن عمر: كان يقتل الحيات ثم نهى، قال: إن النبي –صلى الله عليه وسلم- هدم حائطا له فوجد فيه سلخ حية، فقال: انظروا أين هو، فنظروه فقال: اقتلوه. فكنت أقتلها، فلقيت
__________
1 مسلم: السلام (2236) , والترمذي: الأحكام والفوائد (1484) , وأبو داود: الأدب (5256) , ومالك: الجامع (1828) .
2 مسلم: السلام (2236) , وأبو داود: الأدب (5257) , ومالك: الجامع (1828) .
3 أي: كلام ابن حجر هنا، ولكن ما بعده ملخص من كلامه أيضا مع حذف. وكتبه محمد رشيد رضا.

الصفحة 72