كتاب جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية (مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجدية، الجزء الرابع، القسم الأول)

بجهلك بلغة العرب، وما يجوز على الله، وما يمتنع عليه أن ذلك لا يجوز في حقه -تبارك وتعالى-، وذلك أن الله -تعالى- مُسْتَوْلٍ على الكونيْن والجنة والنار وأهلها. فأيّ فائدة في تخصيص العرش؟ وأيضا الاستيلاء يكون بعد قهر وغلبة، والله تعالى منَزه عن ذلك.
وقد أخرج اللالكائي في "السنة" عن ابن الأعرابي -وهو من أكابر أئمة اللغة- أنه سئل عن معنى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} 1 فقال: هو على عرشه كما أخبر، فقيل: يا أبا عبد الله، معناه استولى؟ فقال: اسكت. لا يقال: استولى على الشيء إلا إذا كان له مضادٌّ، فإذا غلب أحدهما. قيل: استولى.
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن الاستواء في لغة العرب يطلق على معانٍ متعددة:
(أحدها) : بمعنى الاستقرار، كقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} 2.
(ثانيها) : بمعنى الاستيلاء، ومنه قول الشاعر:
تركناهم صرعى لنسر وكاسر
فلما علونا واستوينا عليهم
(وثالثها) : القصد والإقبال على الشيء، كقول القائل: "كان الأمير يدبر أمر الشام، ثم استوى إلى أهل الحجاز". أي: تحول فعله وتدبيره إليهم.
(رابعها) : أنه بمعنى التمام والكمال، كقوله -تعالى-: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} 3 أي: كمل عقله.
فتبين بذلك كذب هذا المفتري وجهله بلغة العرب، وما أحسن ما قال بعضهم: "أكثر ما يفسد الناس نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان".
__________
1 سورة الأعراف آية: 54.
2 سورة هود آية: 44.
3 سورة القصص آية: 14.

الصفحة 158