كتاب المورد العذب الزلال في كشف شبه أهل الضلال (مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجية، الجزء الرابع، القسم الأول)

مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} 1 الآية.
وعن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" 2.
وحاصل ما قدمنا من الجواب على ما أورده المشبه هنا يتضمن خمسة أوجه:
(الأول) : أن ابن أريقط أجير ومن شأن الأجير أن يخدم المستأجر؛ لأنه ملك منافعه بعقد الإجارة، والأجير تحت المستأجر.
(الوجه الثاني) : أن ذلك مستأجر في مصلحة دينية هي من أكبر مصالح الدين، فإعانته للمسلم وقت الحاجة إليه لا محذور فيها لكونها مصلحة محض، فكيف يجوز أن يستدل بذلك على ما هو أعظم المفاسد في الدين من موالاة المشركين وإعانتهم على باطلهم والصد عن سبيل الله؟
جمعا فما الضدان يجتمعان
شتان بين الحالتين فمن يرد
(الوجه الثالث) : أن استئجار الكافر للمصلحة نظير استرقاق الكافر، وذلك جائز بخلاف العكس، فإنه لا يجوز؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وهذا المشبه كأمثاله صاروا لأهل مصر 3 كالمماليك في طاعتهم، ومتابعتهم، وإعانتهم اختيارا منهم لا اضطرارا. (الوجه الرابع) : أن ما فعله ابن أريقط لا يعاب عليه عقلا ولا شرعا بل قد يثاب عليه في حال كفره في الدنيا، وربما صار سببا لإسلامه لقربه من الإسلام بإعانة أهله على طاعة ربهم، بخلاف من أعان على معصية الله والصد عن سبيله، فأين من كان مع أهل الحق ممن كان مع عدوهم؟ وهل سمعت بتفاوت أعظم من هذا التفاوت؟
والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا ... حتى تشيب مفارق الغربان
__________
1 سورة آل عمران آية: 7.
2 البخاري: تفسير القرآن (4547) , ومسلم: العلم (2665) , والترمذي: تفسير القرآن (2994) , وأبو داود: السنة (4598) , وأحمد (6/124 ,6/256) , والدارمي: المقدمة (145) .
3 المراد من أهل مصر الجنود الذين قاتلوا جماعة المؤلف وكانوا من شعوب مختلفة وأصل الكلام في الذين ساعدوهم من أهل الحجاز وغيرهم.

الصفحة 317