كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 1)
نصراني، فإنه لا يوافق قول النصارى قوله إن الله اشتاق أن يرى ذاته المقدسة فخلق من نوره آدم وجعله كالمرآة ينظر إلى ذاته المقدسة فيها وإني أنا ذلك النور وآدم المرآة، فهذا الكلام مع ما فيه من الكفر والإلحاد متناقض وذلك أن الله سبحانه يرى نفسه كما يسمع كلام نفسه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد مخلوق لله قال لأصحابه: " إني أراكم من ورائي كما أراكم من بين يدي " فإذا كان المخلوق قد يرى ما خلقه وهو أبلغ من رؤية نفسه فالخالق تعالى كيف لا يرى نفسه؟ وأيضاً فإن شوقه إلى رؤية نفسه حتى خلق آدم يقتضي أنه لم يكن في الأزل يرى نفسه حتى خلق آدم، ثم ذلك الشوق كان قديماً كان ينبغي أن يفعل ذلك في الأزل وإن كان محدثاً فلا بد من سبب يقتضي حدوثه، مع أنه قد يقال الشوق أيضاً صفة نقص ولهذا لم يثبت ذلك في حق الله تعالى وقد روي: " طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق ". وهو حديث ضعيف.
وقوله: خلق من نوره آدم وجعله كالمرآة وأنا ذلك النور وآدم هو المرآة - يقتضي أن يكون آدم مخلوقاً من المسيح والمسيح خلق من مريم ومريم من ذرية آدم فكيف يكون آدم مخلوقاً من ذريته؟ وإن قيل المسيح هو نور الله فهذا القول وإن كان من جنس قول النصارى فهو شر من قول النصارى فإن النصارى يقولون: إن المسيح هو الناسوت واللاهوت الذي هو الكلمة هي جوهر الابن، وهم يقولون: الاتحاد اتحاد اللاهوت والناسوت متجدد حين خلق بدن المسيح، لا يقولون أن آدم خلق من المسيح إذ المسيح عندهم اسم اللاهوت والناسوت