كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 3)

السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة، أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني قال فيه: وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على نبيه وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأثبتوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفره، وقد ذمه الله وعابه وأوعده عذابه وتوعده حيث قال: " سأصليه سقر " فلما أوعد الله سقر لمن قال: " إن هذا إلا قول البشر " علمنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر.
وأما أحمد بن حنبل فكلامه في مثل هذا مشهور متواتر، وهو الذي اشتهر بمحنة هؤلاء الجهمية، فإنهم أظهروا القول بإنكار صفات الله تعالى وحقائق أسمائه وأن القرآن مخلوق، حتى صار حقيقة قولهم تعطيل الخالق سبحانه وتعالى، ودعوا الناس إلى ذلك، وعاقبوا من لم يحبهم إما بالقتل وإما بقطع الرزق وإما بالعزل عن الولاية وإما بالحبس أو بالضرب وكفروا من خالفهم، فثبت الله تعالى الإمام أحمد حتى أظهر الله به باطلهم، ونصر أهل الإيمان والسنة عليهم، وأذلهم بعد العز وأخملهم بعد الشهرة، واشتهر عند خواص الأمة وعوامها أن القرآن كلام الله غير مخلوق وإطلاق القول أن من قال أنه مخلوق فقد كفر.
وأما إطلاق القول بأن الله لم يكلم موسى فهذه مناقضة لنص القرآن فهو أعظم من القول بأن القرآن مخلوق، وهذا بلا ريب يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإنه أنكر نص القرآن، وبذلك أفتى الأئمة والسلف في مثله، والذي يقول القرآن مخلوق فهو في المعنى موافق له فلذلك كفره السلف.
قال البخاري في كتاب خلق الأفعال قال سفيان الثوري: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، قال: وقال عبد الله بن المبارك من قال " إني أنا الله لا إله إلا أنا " مخلوق فهو كافر ولا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك، قال: وقال ابن المبارك: لا نقول

الصفحة 135