كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 3)

فتوى أخرى لشيخ الإسلام
في تكليم الله لموسى عليه السلام
وهل هو بحرف وصوت أم لا؟ ومن أنكره: مسألة فيمن قال: إن الله لم يكلم موسى تكليماً، فقال له آخر: بل كلمه تكليماً، فقال: إن قلت كلمه فالكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، والحرف والصوت محدث، ومن قال: أن الله كلم موسى بحرف وصوت فهو كافر، فهو كما قال أولاً؟ الجواب: الحمد لله، أما من قال أن الله لم يكلم موسى تكليماً فهذا إن كان لم يسمع القرآن فإنه يعرف أن هذا نص القرآن، فإن أنكره بعد ذلك استتيب فإن تاب وإلا قتل، ولا يقبل منه إن كان كلامه بعد (1) أن يجحد نص القرآن، بل لو قال: إن معنى كلامي أنه خلق صوتاً في الهواء فأسمعه موسى كان كلامه أيضاً كفراً، وهو قول الجهمية الذين كفرهم السلف قالوا: يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا، لكن من كان مؤمناً بالله ورسوله مطلقاً ولم يبلغه من العلم ما يبين له الصواب فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي من خالفها كفر، إذ كثير من الناس يخطئ فيما يتأوله من القرآن ويجهل كثيراً مما يرد من معاني الكتاب والسنة، والخطأ والنسيان مرفوعان عن هذه الأمة، والكفر لا يكون إلا بعد البيان.
والأئمة الذين أمروا بقتل مثل هؤلاء الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة ويقولون القرآن مخلوق ونحو ذلك، قيل إنهم أمروا بقتلهم لكفرهم، وقيل لأنهم إذا دعوا الناس إلى بدعتهم أضلوا الناس فقتلوا لأجل الفساد في الأرض وحفظاً لدين الناس أن يضلوهم.
__________
(1) كذا ولعله (وان كان كلامه من غير أن)

الصفحة 146