كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 3)

وصحيح النقل ولهذا اتفقت فطر العقلاء على إنكار لم ينازع فيه الأشرذمة من المتفلسفة كابن سينا وأمثاله الذين زعموا أن الممكن المفعول قد يكون قديماً واجب لوجوده فخالفوا في ذلك جماهير العقلاء مع مخالفتهم لسلفهم أرسطو وأتباعه فإنه لم يكونوا يقولون ذلك وإن قالوا بقدم الأفلاك، وأرسطو أول من قال بقدمها من الفلاسفة المشائين بناءً على إثبات علة غائية لحركة الفلك يتحرك الفلك للتشبه بها لم يثبتوا له فاعلاً ولم يثبتوا ممكناً قديماً واجباً بغيره وهم وإن كانوا أجهل بالله وأكفر من متأخريهم فيهم يسلمون لجمهور العقلاء أن ما كان ممكناً بذاته فلا يكون إلا محدثاً مسبوقاً بالعدم فاحتاجوا أن يقولوا كلامه مخلوق منفصل.
وطائفة وافقتهم على امتناع وجود ما لا نهاية له لكن قالوا تقوم به الأمور الاختيارية فقالوا أنه في الأزل لم يكن متكلماً بل ولا كان الكلام مقدوراً له ثم صار متكلماً بلا حدوث حادث بكلام يقوم به وهو قول الهاشمية والكرامية وغيرهم.
وطائفة قال: إذا كان القرآن غير مخلوق فلا يكون إلا قديم العين لازماً لذات الرب فلا يتكلم بمشيئته وقدرته، ثم منهم من قال هو معنى واحد قديم، فجعل آية الكرسي وآية الدين وسائر آيات القرآن التوراة والإنجيل وكل كلام يتكلم الله به معنى واحداً لا يتعدد ولا يتبعض، ومنهم من قال أنه حروف وأصوات مقترنة لازمة للذات، وهؤلاء أيضاً وافقوا الجهمية والمعتزلة في أصل قولهم أنه متكلم بكلام لا يقوم بنفسه ومشيئته وقدرته وأنه لا تقوم به الأمور الاختيارية، وأنه لم يستو على عرشه بعد أن خلق السموات والأرض، ولا يأتي يوم القيامة، ولم يناد موسى حين ناداه، ولا تغضبه المعاصي ولا ترضيه الطاعات ولا تفرحه توبة التائبين، وقالوا في قوله " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ونحو ذلك، إنه لا يراها إذا وجدت بل إما أنه لم يزل رائياً لها وإما

الصفحة 159