كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 5)

يصح بحال، لكن الثاني فيه فساد عظيم لا تحتمله الشريعة فتعين الأول. وأما هذه الحيلة فيعرف بطلانها بأدنى نظر.
فعلى هذا إذا حصلت جائحة في هذا الضمان، فإن قلنا: العقد فاسد فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها وقد خلي بينه وبينها وتلفت قبل كمال الصلاح أو لم تطلع. وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه لقوله " أرأيت أن منع الله الثمرة " أو قال " أرأيت إن لم يثمرها الله، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ " وإذا أصابتها جائحة منعت كمال صلاحها وأفسدتها فقد منع الله الثمرة فيجب أن لا يأخذ مال أخيه بغير حق. ومن قال أن الثمرة تضمن بالقبض في العقد الصحيح فيلزمه أن يقول أنها تضمن بالقبض في العقد الفاسد، فإذا تلفت هنا يكون من ضمانه لأن المقبوض بالعقد الفاسد مضمون على المشتري، لكن يجب أن يضمنوا قيمتها حين تلفت، وقد يكون تلفها في أوائل ظهورها وقيمتها قليلة، وقد يكون بعد بدو صلاحها وهذا مما يلزمهم فيه إلزاماً قوياً، وهو أنه إذا اشتراها بعد بدو صلاحها مستحقة التبقية فكثير من أجزائها وصفاتها لم يخلق بعد، فإذا تلفت بجائحة ولم نضع عنه الجائحة، فيجب أن لا يضمن إلا ما قبضه دون ما لم يخلق بعد ولم يقبضه، فيجب أن ينظر قيمتها حين أصابتها الجائحة فينسب ذلك إلى قيمتها وقت بدو الصلاح، فيضمن من الثمن بقدر ذلك، بمنزلة من قبض بعض المبيع وبعض منفعة الإجارة دون بعض فإنه يضمن ما قبضه دون ما لم يقبضه بعد. فأما أن يجعل الأجزاء والصفات المعدومة التي لم تخلق بعد من ضمانه وهي لم توجد فهذا خلاف أصول الإسلام، وهو ظلم بين لا وجه له، ومن قاله فعليه أن يقول أنه إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها وقبض أصلها ولم يخلق منها شيء لآفة منعت الطلع أن يضمن الثمن جميعه للبائع، وهذا خلاف النص والإجماع، ويلزمه أن يقول أنه لو بدا صلاحها في العقد الفاسد

الصفحة 223