كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 5)

وقول القائل: إن هذه انفعالات نفسانية. فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلاً لها عاجزاً عن دفعها، وكان كل ما يجري في الوجود فإنه بمشيئته وقدرته لا يكون إلا ما يشاء ولا يشاء إلا ما يكون له الملك وله الحمد.
فصل
وقول القائل: إن الضحك خفة روح - ليس بصحيح وإن كان ذلك قد يقارنه ثم قول القائل " خفة الروح " إن أراد به وصفاً مذموماً فهذا يكون لا ينبغي أن يضحك منه، وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال، وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه والآخر لا يضحك قط، كان الأول أكمل من الثاني، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " ينظر إليكم البري قنطين فيظل يضحك، يعلم فرجكم قريب " فقال له أبو رزين العقيلي يا رسول الله " أويضحك الرب؟ قال " نعم " قال لن نعدم من رب يضحك خيراً (1) . فجعل الأعراب العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلاً على إحسانه وإنعامه، فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود، وأنه من صفات الكمال، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك، وقد قيل في اليوم الشديد العذاب أنه (يوماً عبوساً قمطريراً) .وقد روي أن الملائكة قالت لآدم: حياك الله وبياك، أي أضحكك. والإنسان حيوان ناطق ضاحك، وما يميز الإنسان عن البهيمة صفة كمال، فكما أن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال، فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك، وإذا كان الضحك فينا مستلزماً لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك، وذلك الأكثر مختص لا عام فليس حقيقة الضحك مطلقاً مقرونة بالنقص كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص، ووجودنا مقروناً بالنقص، ولا يلزم أن يكون الرب موجداً وأن لا تكون له ذات.
__________
(1) أورد البيهقي الحديث في السماء والصفات بسنده وقال: وروي عن طائشة مرفوعا في معنى هذا

الصفحة 69