كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (اسم الجزء: 5)

ويأخذ علم الورق، قال ولست أستر ألواحي منهم، فلما كبرت احتاجوا إلى علمي، وكذلك حكى السري السقطي أن واحداً منهم دخل عليه فلما رأى عنده محبرة وقلما خرج ولم يعقد عنده. ولهذا قال سهل بن عبد الله التستري: يا معشر الصوفية لا تفارقوا السواد على البياض فما فارق أحد السواد على البياض إلا تزندق وقال الجنيد: علمنا هذا مبني على الكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الشأن. وكثير من هؤلاء ينفر ممن يذكر الشرع أو القرآن أو يكون معه كتاب أو يكتب، وذلك أنهم استشعروا أن هذا الجنس فيه ما يخالف طريقهم فصارت شياطينهم تهربهم من هذا، كما يهرب اليهودي والنصراني ابنه أن يسمع كلام المسلمين حتى لا يتغير اعتقاده في دينه، وكما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم لئلا يسمعوا كلامه ولا يروه وقال الله تعالى عن المشركين (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) وقال تعالى (فما لهم عن التذكرة معرضين، كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة) . وهم من أرغب الناس في السماع البدعي سماع المعازف. ومن أزهدهم في السماع الشرعي سماع آيات الله تعالى.
وكان مما زين لهم طريقهم أن وجودوا كثيراً من المشتغلين بالعلم والكتب معرضين عن عبادة الله تعالى وسلك سبيله إما اشتغالاً بالدنيا وإما بالمعاصي وإما جهلاً وتكذيباً بما يحصل لأهل التأله والعبادة فصار وجود هؤلاء مما ينفرهم وصار بين الفريقين نوع تباغض يشبه من بعض الوجوه ما بين أهل الملتين: هؤلاء يقولون ليس هؤلاء على شيء، وهؤلاء يقولون ليس هؤلاء على شيء، وقد يظنون أنهم يحصلون لهم بطريقهم أعظم مما في الكتب.
فمنهم من يظن أنه يلقن القرآن بل تلقين. ويحكون أن شخصاً حصل له ذلك، وهذا كذب. نعم قد يكون سمع آيات الله فلما صفى نفسه تذكرها فتلاها. فإن الرياضة تصقل النفس فيذكر أشياء كان قد نسيها، ويقول بعضهم أو يحكى أن بعضهم قال: أخذوا علمهم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. وهذا يقع، لكن منهم من يظن ما يلقى إليه من خطاب أو خاطر هو من الله تعالى بلا واسطة، وقد يكون من

الصفحة 99