كتاب المرتجل في شرح الجمل لابن الخشاب

واختلف الناس في هذه الأفعال الأربعة، فقصرها بعضهم على السماع، ولم يُجز القياس عليها، فلا تقول على قول هؤلاء، وهم الأكثرون، أظننت بكرًا زيدًا قائمًا ولا أوجدت ولا أحسبت، وأجاز بعضهم القياس عليها في الأفعال الباقية؛ فيقول مثلاً: أزعمت محمدًا الحر شديدًا، وأخلت قاسمًا السحاب ممطرًا، وممن منع ذاك أبو عثمان المازني (¬1) فيما رووا.
فصل

وأما الخبر والتمييز فخاصان لا يعمان كل الأفعال، ألا ترى أنه لا يلزم في كل فعل أن يكون له خبر ككان، وعسى وكاد، اللواتي لهن أخبار، وكذلك التمييز لا يكون في كل فعل؛ والمثال فيه: طاب زيد نفسًا، وتصبب عمرو عرقًا وقررت به عينًا.
وجملة التمييز أنه كلام (¬2) مفتقر إلى مميز ومميز، فالمميز لفظ مبهم يحتمل أجناسًا كثيرة، فتبينه بأحدها، والمبين (¬3) به هو المميز ويكون اسمًا مفردًا نكرة منصوبًا كقولك: عندي عشرون درهمًا، ولك مثله رجلاً، وزيد أفضل منك أبًا، وطبت به نفسًا وله خمسة عشر درهمًا.
ألا ترى أن قولك "عشرون"-يحتمل لإبهامه-ما لم تبينه أن يكون من أجناس كثيرة كالدراهم والدنانير والثياب والغلمان، فإذا قلت درهمًا أزلت ذلك الاحتمال ورفعت الاشتراك وأخلصت العشرين لما هي منه، وكذلك بقية الأمثلة.
ولا يخلو المميز من أن يكون منتصبًا عن اسم فيه نون كعشرين، أو تنوين ظاهر كقولك: حسن وجهًا، وفاره عبدًا، أو مقدر كقولك: هو أحسن
¬__________
(¬1) ((انظر الخصائص 1: 271.
(¬2) ((في (ج) و (د): كلام يفتقر فيه.
(¬3) ((في (ج) و (د): والمبين هو اسم مفرد نكرة منصوب كقولك:
والثاني مما تتساوى الأفعال في نصبه، الظرف، وهو اسم الزمان أو المكان، لأن الفعل لا يصح وقوعه عاريًا منهما، فدل عليهما بمعناه كما ذل على المصدر، إلا أن دلالته على المصدر أقوى لضمنه حروفه مع دلالته عليه من معناه؛ مع اقتطاعه منه، ولهذا تعدى إلى جميع ضروبه، ولم يتعد إلى جميع ضروب أسماء المكان.
وقد كان قياس أسماء الزمان هذا القياس، إلا أن الزمان أشبه الأحداث لتقضيه وكونه لا لبث له كما أن الأحداث كذلك، فتعدى (¬1) الفعل لذلك إلى جميع أسماء الزمان على العموم، من مبهم ومختص ومعرفة ونكرة، ولم يتعد من أسماء المكان إلا إلى ما كان مبهمًا غير مختص، مما في الفعل دلالة عليه.
فلهذا تقول في الزمان: سرت يومًا وساعةً وحينًا، وصُمت شهر رمضان وقدمتُ يوم الجمعة، وتقول: انطلقت أمامك ووقفت وراءك، وكذلك حكم بقية الجهات الست من المكان وهي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام ووراء وما أشبهها من ظروف المكان كـ "عند"، وهي اشد إبهامًا منها، أعني من الجهات الست، ألا ترى أنه يصح أن تُطلق على كل واحدة من هذه الجهات، فتقول: الشيء عندي، وهو إما فوقك أو تحتك أو عن يمينك أو عن شمالك أو أمامك أو وراءك وكذلك "وسط"، لأنه اسم لا يختص مكانًا دون مكان.

وظروف الزمان أشبه بالأفعال، لهذا (¬2) صيغت لها، وظروف المكان أشبه بالجثث لكونها ذات صور وخلق، فمتى كان المكان مختصًا لم يتعد إليه الفعل، إلا على حد تعديه إلى المفعولين، فكما لا يصح أن تقول: جلست زيدًا، لا تقول: جلست المسجد وكما يصح أن تقول: جلست إلى زيد، يصح أن تقول: جلست في المسجد، فأما قول الشاعر:
¬__________
(¬1) ((في (ج) و (د): فعدي.
(¬2) ((في (آ): ولهذا بنيت، وفي (ج) و (د): ولذلك صيغت وفي (ب) كما أثبتنا.

الصفحة 157