يكون فاعلاً إذ كان المعنى طابت به نفسي، ولكنهم توسعوا، ونقلوا الفعل عن المضاف، وأسندوه إلى المضاف إليه، ثم أخرجوا الاسم الذي كان فاعلاً في الأصل مخرج الفضلات فميزوا به ليزول الإبهام الذي دخل الكلام، ولكونه فاعلاً في الأصل، وجاريًا الآن مجرى بقية الأسماء المميزة لغير الأفعال امتنع (¬1) أكثر الناس من تقديمه، فلم يجيزوا شحمًا تفقأت (¬2) ولا عرقًا تصببت، وأجازه المازني (¬3) قياسًا، واعتل بأن العامل متصرف وهو الفعل، وأنشد:
أتهجر سلمى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق يطيب (¬4)
قال: أراد وما كان يطيب بالفراق نفسًا، قال الزجاج: والرواية:
وما كان نفسي بالفراق تطيب (¬5)
فصل
العام من النصب يكون في خمسة أشياء: مصدر الفعل وهو الحدث الذي اشتق الفعل منه في قول البصريين (¬6) كالقيام والقعود، وهو المسمى مفعولاً مطلقًا، لأنه فعل الفاعل على الحقيقة، ولأنه (¬7) لم يقيد بشيء من حروف الجر
¬__________
(¬1) ((راجع الإنصاف 828.
(¬2) ((تفقأ فلان شحمًا: امتلأ شحمًا حتى تشقق جلده.
(¬3) ((راجع الإنصاف: 828.
(¬4) ((البيت للمخبل السعدي ربيعة بن مالك بن ربيعة اسم كان ضمير شأن محذوف، وخبرها جملة تطيب، ونفسًا تمييز نسبة والعامل فيه تطيب، وقد تقدم التمييز على عامله، وهذا غير جائز في سعة الكلام عند البصريين، وقد أجازه الكوفيون واستدلوا بهذا البيت. وهو في الكتاب 1: 108، الخصائص 2: 38، الإيضاح العضدي 1: 203 أسرار العربية: 196، الإنصاف: 828، شرح المفصل 2: 74، المقاصد النحوية 3: 235.
(¬5) ((راجع أسرار العربية: 187، الإنصاف 2: 837.
(¬6) ((يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل، راجع الإنصاف 1: 235
(¬7) ((في (ب): وإنه.
لخيرك وقصدتك طمعًا في معروفك وضربته تأديبًا له. وإنما كان مصدرًا لا عينًا لأنه غرض، والأغراض إنما تكون أحداثًا لا جثثًا.
وكان العامل فيه من غير لفظه لأن الشيء يتوصل به إلى غيره، ولا يُتوصل به إلى نفسه ولا يكون كل مصدر، بل أكثر ما يقع من المصادر التي هي من أفعال النفوس كالطمع والرجاء والخيفة والإرادة والابتغاء، ولو قلت ضربته قتلاً له تريد هذا المعنى لم يصلح. ويقدر أبدًا باللام، ثم تُحذف، فيفضي الفعل إلى مجرورها فينصبه.
فالأصل في قولك: قصدتك ابتغاء عرفك، لابتغاء عرفك، ثم حذفت اللام فانتصب مجرورها، وقد يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، فيلزم حينئذ ذكر اللام، فتقول: جئتك لعرفك؛ ولا يجوز حذف اللام من مثل هذا، لأنه يكون حذفًا بعد حذف، فيُنهيك الكلام، والحذف لا يقاس عليه في كل موضع مع أنه لو حذفت اللام، فانتصب المضاف إليه لالتبس في بعض المواضع بالمفعول به. فأما وقوعه معرفة ونكرة فكقول حاتم (¬1):
وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما (¬2)
و"ادخاره" معرفة، "وتكرما" نكرة، وقد جمع البيت شاهدين.
وقد تقع الباء ومجرورها مفعولاً له كقوله تعالى "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" (¬3) وكذلك "من" ومجرورها كقوله
¬__________
(¬1) ((حاتم الطائي .. -4/ 587، أبو عدي، الفارس الشاعر الجواد، الشعر والشعراء: 70، الخزانة 1: 494.
(¬2) ((العوراء: الكلمة القبيحة أو الفعلة. ادخاره: إبقاء عليه. الديوان 25 - ، الكتاب 1: 184، 464، النوادر: 110، الكامل: 250 شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 93، أمالي الشجري 1: 13، أسرار العربية: 187، شرح الفصل 2: 54، اللسان (عور)، الخزانة 1: 491.
(¬3) ((النساء: 59.