كتاب المرتجل في شرح الجمل لابن الخشاب

كبقية المفعولات حين قالوا: مفعول فيه وبه وله ومعه.
فالفعل يقتضيه لتضمنه حروفه ودلالته عليه في المعنى؛ ألا ترى أن قولك: ذهب زيد في معنى قد كان منه ذهاب، فلما قويت دلالته عليه تعدت جميع ضروبه، أعني الفعل، من لازم ومتعد، إلى جميع ضروب المصدر من مبهم ومختص ومعروف ومنكر، كقولك: قمت قيامًا، وضربت ضربًا وذهبت الذهاب؛ وسرت سيرًا شديدًا، وجلدته عشرين سوطًا، والأصل في هذا المثال: جلدته جلدًا ذا عشرين سوطًا، ثم حذفت الموصوف وأقمت الصفة
مقامه، وحذفت المضاف واثبت المضاف إليه منابه، فاكتسى إعرابه، إذ سدمسده.
وكذلك لو لم تذكر العدد لجاز أن تتوسع، فتنصب الآلة، وهي السوط الذي به حصل الضرب نصب المصدر كقولك: ضربته سوطًا وسوطين، والمعنى ضربته ضربة بسوط، وتقدير اللفظ: ضربته ضربة ذات سوط، فنزل التنزيل المذكور في المثال المذكور قبله، وكذلك المصدر المضاف، كقولك: ضربته ضرب زيد عمرًا، والأصل ضربته ضربًا مثل ضرب زيد عمرًا، فجرى على الكلام من الحذف، وإقامة لفظ ما ذكرنا، والأصل ضربته ضربًا مثل ضرب زيد عمرًا، ففعل به ما أريناه في المثال الأول، قال أبو علي: "لأني قد أفعل مثل فعل غيري ولا أفعل فعله"، يريد الاتساع الذي ذكرنا من الحذف، قال: ومثل ذلك-يعني الحذف-قولهم في صريح الطلاق: أنت واحدة، وتقديره أنت ذات تطليقة واحدة، فحُذف المضاف، وهو ذات، وأقيم المضاف إليه مقامه فصار اللفظ: أنت تطليقة واحدة، ثم حُذف الموصوف، وهو تطليقة، وأقيمت الصفة مقامه فصار الكلام أنت واحدة.
وكل ذلك ثقة بأن المعنى مفهوم، إذ ليس الإخبار عن المرأة بأنها واحدة كيف؟ ولا يجوز أن يُتوهم أنها سوى ذلك فيُعلمه.
سبحانه {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (¬1) [المائدة: 32].
وكذلك الكاف، منه مسألة الكتاب "كما أنه لا يعلم فغفر الله له" (¬2) أي لأنه لا يعلم، وما زائدة بين الكاف ومجرورها.

وأما الحال فهي وصف هيئة الفعل أو المفعول أو المفعول به، ولفظها نكرة تأتي بعد معرفة، قد تم الكلام عليها، أي على المعرفة.
ومعنى وصف هيئة الفاعل أن الفعل متى أسند إلى فاعله، فلابد أن يُسند إليه وهو على هيئة من الهيئات، وصفة من الصفات كقولك: جاء زيد، لابد في مجيئه من أن يكون راكبًا أو ماشيًا، أو ساعيًا، أو مسحوبًا مثلاً، فتبين هيئته التي جاء عليها بلفظه منكورة مشتقة، لأنها صفة في المعنى تسمى حالاً، كقولك جاء زيد راكبًا فـ "راكبًا" مشتق من ركب يركب، فقد تم الكلام على قولك زيد: لأن الفعل والفاعل جملة مستقلة، وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى، وكذلك حكم المفعول لابد أن يقع به الفعل وهو على هيئة من الهيئات كقولك: أبصرت زيدًا ساعيًا وضربت عمرًا مشدودًا.
ولما كانت الحال زيادة في الفائدة، والفائدة متعلقة بالخبر، واصل الخبر التنكير جاءت الحال-وهي الزيادة فيه-على الأصل، ولزمها ذاك، فلا تكون إلا نكرة وإن كان الخبر قد (¬3) يقع معرفة ونكرة.
ولما كانت مفعولاً فيها في المعنى أشبهت الظرف، فعملت فيها المعاني جوازًا كما يجوز أن تعمل في الظرف. ولما رفعت الاحتمال كما يرفعه التمييز لزمها أيضًا التنكير كما لزمه، ولما كانت اسمًا صحيحًا يأتي بعد
¬__________
(¬1) ((المائدة 5: 35 {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا ... }.
(¬2) ((راجع مغني اللبيب 1: 176، ولم أعثر على هذا القول في الكتاب.
(¬3) ((في (ج) و (د): قد يقع معرفة كما يقع نكرة.

الصفحة 160