كتاب معالم السنن (اسم الجزء: 2)

فأما قلوله تعالى {خد من أموالهم صدقة تطهرهم} [التوبة: 103] وما ادعوه من وقوع الخطاب فيه خاصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خطاب كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه خطاب عام كقوله {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] الآية وكقوله {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] في نحو ذلك من أوامرالشريعة.
وخطاب خاص للنبي صلى الله عليه وسلم لا يشركه في ذلك غيره وهو ما أبين به عن غيره بسمة التخصيص وقطع التشريك كقوله تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: 79] وكقوله {خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] . وخطاب مواجهة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو وجميع أمته في المراد به سواء كقوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء: 78] وقوله {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] وكقوله {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} [النساء: 120] في نحو ذلك من خطاب المواجهة فكل من دلكت له الشمس كان عليه إقامة الصلاة واجبة وكل من أراد قراءة القرآن كانت الاستعاذة معتصما له وكل من حضره العدو وخاف فوت الصلاة أقامها على الوجه الذي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنها لأمته ومن هذا النوع قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} فعلى القائم بعده بأمر الأمة أن يحتذي حذوه في أخذها منهم وإنما الفائدة في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب أنه هو الداعي إلى الله سبحانه والمبين عنه معنى ما أراده فقدم اسمه في الخطاب ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه ويبينه لهم. وعلى هذا المعنى قوله {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] فافتتح الخطاب بالتنويه باسمه خصوصا ثم خاطبه وسائر أمته بالحكم عموما وربما كان الخطاب له مواجهة والمراد به غيره كقوله {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} [يونس: 94]

الصفحة 7