كتاب معالم السنن (اسم الجزء: 2)

المسلمين
والفرق بين هؤلاء وبين أولئك القوم أنهم إنما عذروا فيما كان منهم حتى صار قتال المسلمين إياهم على استخراج الحق منهم دون القصد إلى دمائهم لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان منها قرب العهد بزمان الشريعه التي كان يقع فيها تبديل الأحكام ومنها وقوع الفترة بموت النبي صلى الله عليه وسلم وكان القوم جهالا بأمور الدين وكان عهدهم حديثا بالإسلام فتداخلتهم الشبهة فعذروا كما عذر بعض من تأول من الصحابة في استباحة شرب الخمر قوله تعالى {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93] فقالوا نحن نشربها ونؤمن بالله ونعمل الصالحاب ونتقي ونصلح. فأما اليوم فقد شاع دين الإسلام واستفاض علم وجوب الزكاة حتى عرفه الخاص والعام واشترك فيه العالم والجاهل فلا يعذر أحد بتأويل يتأول في إنكارها. وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت عليه الأمة من أمور الدين إذا كان منتشراً كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم في نحوها من الأحكام إلاّ أن يكون رجل حديث عهد بالإسلام لا يعرف حدوده فإذا أنكر شيئا منه جهلا به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في تبقية اسم الدين عليه. فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها وإن قاتل العمد لا يرث وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة وتفرد الخاصة بها.
قلت: وإنما عرض الوهم في تأويل هذا الحديث من رواية أبي هريرة ووقعت

الصفحة 9