كتاب معرفة السنن والآثار (اسم الجزء: 9)

13336 - وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: قِيلَ: وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغَي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ قَالَ: § «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ».

13337 - وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْغِنَى وَهِيَ الْكِفَايَةُ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِيهِ خَمْسُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِيهِ أَرْبَعُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ كَسْبٌ يُدِرُّ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، وَلَا عِيَالَ لَهُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ
13338 - وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَرَدَ قَوْلُهُ: § «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ». فَقَدْ يَكُونُ كَثِيرَ الْعِيَالِ وَلَا كَسْبَ لَهُ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ فَيَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي عِيَالَهُ
13339 - وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَرَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: § «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِي فُقَرَاءَهُمْ».

13340 - فَاعْتَبَرَ الْكِفَايَةَ، فَالِاعْتِبَارُ بِهَا فِي حَالَتَيِّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَقَسْمَهَا، ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَلَّى أَخْذَهَا عَامِلٌ دُونَهُ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ
13341 - أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ -[331]- الشَّافِعِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ: «§مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا اللَّبَنُ؟»، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ، فَإِذَا بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ إِصْبَعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ ".

13342 - قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا يَأْخُذُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ غِنَائِهِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُوسِرًا إِنَّمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ

الصفحة 330