كتاب محمد في التوراة والإنجيل والقرآن

(روح الحق) (يوحنا 16: 13) إنه إذن الإنسان الذي يصير مستحوذاً بصلة روحية لا انفصام لها هي الوحي، وهو الذي حياته وسلوكه وأخلاقه تتميز بأقصى درجات بذل الذات للحق.
هذا هو السبب أن العبارة التالية للنص من إنجيل (يوحنا 16: 13) تحتوي على هذا التعبير: "فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به".
هذا الإنسان سيتلقى وحي الحق من الله، وهذا التنزيل وحده هو أسس الرسالة، وبالتالي فليست أفكاره الذاتية، ولا كتابات صحابته، إن الرسالة أو التنزيل لابد أن تكون أولاً وقبل كل شيء وبتحنف كلام الله، لاحظ التطابق التام لما أوحاه الله على عبده موسى عليه السلام عن النبي الذي سيقيمه الله من وسط إخوتهم - العبرانيين - "أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تثنية 18: 18) .
وهنا نقطة تشد الانتباه جداً هي التشابه بين البعثة السماوية الممنوحة لموسى ولعيسى، وبين (روح الحق) محمد - صلى الله عليه وسلم - كحمله مشعل النور والهداية - التسلسل الفكري الإلهي - فمقارنة ما جاء في تثنية 18: 15 "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون" وما جاء في تثنية 18: 17 - 19 "قال لي الرب قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه" قارن هذا مع ما جاء في إنجيل يوحنا عن الوحي الذي نزل على عيسى عليه السلام: "لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا اقول وبماذا أتكلم" (يوحنا 12: 49) مع ما جاء في ذات الإنجيل عن الوحي سينزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -:
"وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني" (يوحنا 16: 13، 14) قارن هذا كله مع ما جاء في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل: 15]

الصفحة 54