كتاب مسائل في الفتن
وأمرهم به، ولا شرا إلا حذرهم منه، ونفرهم عنه، حتى ترك الأمة ـ عليه الصلاة والسلام ـ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
ألا وإن من تلك الأمور التي حذر منها - صلى الله عليه وسلم - أشد التحذير وبينها أتم البيان: الفتن وما يتعلق بها. وما ذلك إلا لأن الفتن مؤثرة على الدين والأنفس والأموال والأعراض. فكان التحذير منها أشد من غيرها والأحاديث فيها أكثر.
والناس في هذا الزمان قد تكاثرت عليهم الفتن، وتفتحت عليهم أبوابها، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكثر كلامهم فيها؛ بالحق تارة، وبالباطل أخرى، وبالدليل والبرهان مرة، وبالجهل والهوى مرة أخرى، فوقعوا في تعارض الآراء واختلاف الأهواء، فزادت الفتن واضطرب الناس. وإذا كان الواجب على من تكلم في أي باب من أبواب العلم أن يتكلم بعلم، ويزين كلامه بالحلم؛ فإن باب الفتن أولى وأحرى لما يترتب عليه من الأحوال والأفعال والتصرفات، العامة والخاصة.
فلازم على كل من تكلم في هذا الباب ونظر فيه: أن يتتبع ما ورد فيه في الكتاب والسنة، وما ورد فيه عن سلف الأمة، حتى يقع على الدليل، ويرى كيف يكون العمل والتنزيل.
وهذه الرسالة إنما هي محاولة لتأصيل هذا الباب، بالنظر فيما جاء فيه من النصوص والآثار، ومواقف السلف الأبرار، حتى تتضح المسألة ويبين الحق إن شاء الله.
هذا وقد رتبتها على مسائل ليكون ذلك أنشط للقارئ، وأروح لنفسه وفكره، ولم أكثر الكلام فيها- وإن كان مجال القول في بعضها يطول - خشية الإملال.
ومما يحسن بي في هذه المقدمة أن أنبه على أمور:
أولها: أنه ليس مقصودي في هذه الرسالة جمع ما ورد في كل فتنة من
الصفحة 6
82