كتاب مختصر صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 1)
قالت عائشةُ رضي الله عنها: ولقد رأيتُه يَنزلُ عليه الوحيُ في اليومِ الشديدِ البرْدِ، فيَفصِمُ عنهُ وإن جبينَه ليتَفصَّدُ (¬3) عرَقاً.
3 - عن عائشةَ أُمِّ المؤمنينَ أنَّها قالت: [كانَ 6/ 87] أولَ ما بُدِىءَ بهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منَ الوحيِ الرُّؤيا الصالحةُ في النوم، فكانَ لا يَرى رؤيا إِلا جاءَت مِثل فلَقِ الصُّبحِ، ثم حُبِّبَ إليه الخَلاَءُ (¬4)، وكانَ يَخلُو بغارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فيه- وهوَ التعبُّدُ اللياليَ ذوَات الْعَددِ- قبْلَ أنْ يَنزِعَ إلى أهلهِ، ويتزوَّدُ لذلكَ، ثم يرجعُ إِلى خديجةَ، فيتَزوَّدُ لِمِثلِها (¬5)، حتى جاءهُ (وفي روايةٍ: فَجِئَهُ) (¬6) الحقُّ وهوَ في غارِ حِرَاءٍ، فجاءه الملَكُ [فيه 8/ 67]، فقالَ: اقرَأْ، قالَ: ما أَنا بقارىءٍ، قالَ: فأخذَني، فغَطَّني حتى بلَغَ منِّي الجَهْد (¬7)، ثم أَرسلَني، فقالَ: اقرأْ، قلت: ما أَنا بقارىءٍ، فأَخذَني فغطني الثانيةَ، حتى بلَغَ منَّي الجَهدَ، ثم أَرسلَني، فقالَ: اقرأْ، فقلتُ: ما أَنا بقارىءٍ، فأخَذَني فغطَّني الثالثةَ، ثم أَرسلَني، فقالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. [الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} الآيات]، فرجَعَ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجُفُ فؤادُه (وفي روايةٍ: ترجف بوادره) (¬8)،
فدخلَ على خديجةَ بنتِ خويلِدٍ، فقالَ: زَمِّلُوني زَمِّلُوني، فزمَّلُوهُ حتى ذهبَ عنهُ الرَّوعُ، فقالَ لخديجةَ: [مالي؟]، وأَخبرَها الخبرَ [وقال:] لقدْ خشِيتُ على نفْسي،
¬__________
(¬3) من القصد، وهو قطع العِرْق لإسالة الدم، شبه جبينه بالعِرْق المفصود مبالغة في كثرة العَرَق.
(¬4) أي: الخلوة.
(¬5) أي: الليالي.
(¬6) أي: بغته. (الحق) أي: الأمر الحق.
(¬7) أي: بلغ الغط مني غاية وسعي. (أرسلني) أي: أطلقني.
(¬8) أي: أطرافه، وهو جمع (بادرة): لحمة بين المنكب والعنق.
الصفحة 16
775